الأميركيون ينصحون بالمحافظة على الإستقرار وعدم السماح للخلايا النائمة بإرباك الوضع
المساكنة بين «حزب الله» و«المستقبل» ستبقى قائمة والحوار بينهما أشبه بلجنة أمنية
لبنان يدخل مرحلة الإستراحة والحكومة ستبقى بوضعها الحالي بلا أي فعالية
من نافل القول أن لبنان دخل مرحلة إستراحة لا تقل مدتها عن الستة أشهر، وأن الحكومة في وضعها الحالي ستبقى بلا أي فعالية، وحده الخطاب السياسي المتشنّج سيرتفع منسوبه من دون أن يصل الأمر إلى تجاوز الخطوط الحمر الموضوعة نتيجة نصائح دولية وخصوصاً أميركية بضرورة المحافظة على الإستقرار الداخلي وعدم السماح للخلايا الإرهابية النائمة بتوتير الوضع اللبناني وإرباكه.
وحيال هذا المشهد السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء حالة التشنّج التي بلغت الذروة في الآونة الأخيرة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» هو هل انكسرت الجرّة ووصلت العلاقة بين الطرفين إلى نقطة اللاعودة، أم أن ما سمعناه في الأيام الماضية من تراشق من العيار الثقيل محكوم بسقف محدّد لا يمكن لأي من الطرفين تجاوزه لاعتبارات داخلية وخارجية يحرص كل طرف على عدم تجاهلها؟
إن تاريخ العلاقة بين الجانبين لا يشي بتفاهم طبيعي بل بتفاهم إصطناعي، وتعايش بالإكراه، فإذا عدنا إلى السنوات العشر الماضية من العام 2005 إلى الآن نجد أن هذه العلاقة مرّت بتقلبات كثيرة، ليس أقلّها موضوع المحكمة الدولية، وحرب تموز، والسابع من أيار من العام 2008، حيث دائماً كانت هذه العلاقة تمرّ بلحظات توتّر قابلة للإنفجار في أية لحظة.
إن الوضع القائم الآن بين الجانبين أشبه ما يكون بوقف لإطلاق النار حيث يتعاطى كل فريق مع الفريق الآخر ككائن غريب، وكل ذلك سببه الإحتقان السياسي وغير السياسي الذي يتفاقم يوماً بعد يوم.
إزاء هذه العلاقة غير السليمة والتي تبعث على الخوف التقط الرئيس نبيه برّي لحظة التوتّر وحاول إطفاء الفتيل من خلال طاولة الحوار التي تحوّلت إلى ما يُشبه الجلسات الأمنية لوقف التصعيد، وعلى ما يبدو هي نجحت في ذلك حيث ساهمت إلى حدّ كبير دون انفلات الأمور من عقالها، وأبقت قنوات التواصل بين الفريقين مفتوحة بشكل جنّب الساحة الداخلية الكثير من المطبّات والخضّات.
توجد مجموعة ملاحظات في العلاقة بين الحزب و«المستقبل»:
أولاً: تبيّن أن الطرفين بالمعنى السياسي كلٌ منهما لا يقبل بالآخر لو تُركت الأمور له.
ثانياً: تبيّن أن الطرفين محكومان بالحوار رغم كل التباين الحاصل بينهما.
ثالثاً: تبيّن أن الموضوع الأساس لدى «المستقبل» هو الحفاظ على الحكومة، وهو نأى بنفسه عن التبنّي الكامل لكلام الوزير نهاد المشنوق من خلال إصدار بيانه المؤكّد على الاستمرار بالحوار وتفعيل الحكومة، وفي المقابل أيضاً أكد الحزب أن بقاء الحوار أو الحكومة، أو عدمهما سيّان، وإن كان يُؤكّد في كل مناسبة الحاجة للحوار والحكومة أيضاً وهذا يعني أن أياً من الفريقين لا يستطيع أن يُطلق الرصاص على رجليه، لأنه بحاجة للحوار والحكومة نظراً لما يجري في محيطنا.
كل ذلك يدفعنا للقول بأن المساكنة ستبقى قائمة بين الحزب و«المستقبل» في هذه المرحلة، اللهم إلا إذا استجدّت متغيّرات جوهرية في المنطقة فرضت وجوب حصول تبدّلات ما في الداخل اللبناني، وساعتئذٍ فإنه سيكون من السهل الإفتراق أو إعادة لمّ الشمل وذلك وفقاً لطبيعة المتغيّرات التي يمكن أن تحصل.
وفي هذا المجال تكشف أوساط سياسية عليمة أن الرئيس برّي عمل فور عودته من الخارج لا بل وخلال وجوده في جنيف مروحة من الإتصالات، وهو بعث برسائل إلى كل الأطراف بضرورة العودة إلى طاولة الحوار، لأن قطع شعرة معاوية قد يؤدي إلى قطع الأعناق.
وفي موازاة الحراك الذي قام به الرئيس برّي لاحتواء الوضع والحؤول دون تفاقمه، فإن هذه الأوساط تتحدث أيضاً عن رسائل أميركية وغربية وصلت إلى المسؤولين عبر القنوات الدبلوماسية تؤكد الحرص على الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، منبّهة إلى أن ارتفاع منسوب التشنّج بين الحزب و«المستقبل» قد يفتح البلد أمام الفوضى والإخلال بالإستقرار، كما أن هذه الرسائل تضمنّت دعوات أيضاً إلى عدم الإخلال بالحكومة والمحافظة عليها، وهو ما يعني أن نعي الحوار الثنائي في عين التينة ليس في محلّه حيث أن كل المعطيات تؤكّد بأنه سيستمر، وأن عقده لا يمكن أن ينفرط بسهولة للإعتبارات التي ذكرت آنفاً، وهذا ظهر جلياً من خلال عدم ردّ الرئيس سعد الحريري على الخطاب الأخير للسيّد حسن نصر الله، وفي المقابل فإن الحزب وبالرغم من كلام «السيّد» بقي متمسكاً بالحوار كما في الحكومة، وهذا ما شجّع الرئيس برّي على التحرّك الفوري لمنع وصول الأمور بين الجانبين إلى حدّ الإفتراق وهو نجح في ذلك حيث همدت «الفورة» التي تحكّمت بخطاب الفريقين على غرار ما كان يحصل في السابق حيث أن ما جرى الأسبوع الماضي ليس الأول ولن يكون الأخير.