IMLebanon

الحرب الباردة تعود من أوروبا الشرقية؟

زار اخيراً قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال بين هودجيز وحدات من فرقة الفرسان الثانية في جيش بلاده التي تُجري حالياً تدريبات ومناورات في جمهورية لاتفيا. ثم أعلن في مقابلة صحافية أواخر الاسبوع الماضي أن الولايات المتحدة تعدّ حالياً لتخزين معدات عسكرية، متنوعة بما في ذلك مدرّعات وآليات ووسائل دعم لوجستية في جمهوريات لاتفيا وليتوانيا وأستونيا وبولندا ورومانيا وبلغاريا. وأشار إلى أن بعض المعدات المذكورة ستخزَّن في ألمانيا.

ماذا يعني هذا القرار الأميركي الآن؟

يجيب باحثون أميركيون أن التخزين المسبق للآليات والمعدات العسكرية خارج البلاد كان جزءاً أساسياً من الاستراتيجيا الأميركية في أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبل انهياره. وقد انطلق من اقتناع بأنه أفضل من إبقاء عدد كبير من القوات الأميركية في أوروبا التي تستطيع في حالات الحرب أو الحروب أن تطير الى أوروبا في سرعة وبوسائل النقل العسكرية والمدنية، فتجد في انتظارها الأسلحة التي تحتاج إليها. ويوفّر ذلك وقتاً طويلاً لا بد أن يستغرقه نقل الجيوش والمعدات والأسلحة في وقت واحد، علماً أنه في أيام الاتحاد السوفياتي كانت القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا مخازن سلاح بدورها تمكّن القوات المتمركزة فيها من الرد فوراً على أي عملية هجومية سوفياتية. كما كان تخزين الأسلحة في دول عدة يسهِّل انضمام قوات أخرى إلى القتال آتية من قواعدها في أميركا.

طبعاً، يستدرك هؤلاء الباحثون، يبقى حجم التخزين المستجدّ للأسلحة الأميركية في دول شرق أوروبا المذكورة أعلاه أقل وبكثير من حجمه أيام الحرب الباردة التي انتهت عام 1989. لكنها تعطي الولايات المتّحدة القدرة على نشر قوات برّية في سرعة. فضلاً عن أن لديها كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية التي لا تزال في حال جيدة جداً، جراء الصيانة المستمرة لها والتي حصلت القوات الأميركية، ولا تزال تحصل، على تدريبات واسعة جداً عليها. والتخزين في اختصار هو في قدرة أميركا إذا قرّرته. الى ذلك، يلفت الباحثون أنفسهم، إلى أنه ليس خطوة هجومية. لكنه يمثّل قدرة دفاعية في حال قرّرت روسيا “الجديدة” تنفيذ هجوم واسع على الغرب. أي في الحال الراهنة إذا قررت التحرّك عسكرياً في اتجاه دول البلطيق، أو إذا تعرّضت هذه الدول إلى زعزعة متعمَّدة لاستقرارها من الأقليات ذات الأصل الروسي التي تشكّل جزءاً من شعوبها. طبعاً، ورغم صغر حجم الأسلحة المخزّنة، فإن هناك حاجة إلى وجود عسكري أميركي معها، وإن صغيراً، وذلك لحمايتها وتالياً لاستعمالها في سرعة بغية مواجهة أي اعتداء كالمشار إليه أعلاه. وهذا الوجود يمكن أن يزداد عند الحاجة. ومن شأن ذلك دفع الروس إلى إجراء حسابات دقيقة قبل إثارة أجزاء من مجتمعات ضد دولها أو قبل تمكينها من شنّ حرب عليها. وكما من شأنه التحوّل رادعاً في هذا المجال.

هل من فوائد أخرى للتخزين العسكري (سلاحاً وإمداداً)؟

يعتبره الأميركيون، استناداً الى الباحثين أنفسهم، إجراء يبني الثقة أو يعزِّزها بين دول أوروبا الشرقية المذكورة أعلاه وأميركا، التي تبدو الآن معرّضة إلى أكثر من خطر ويعتبرونه وعداً بالدعم الفعلي في حال الحرب. طبعاً لا يلغي ذلك الشك في الجدوى وصدق النيّة رغم أنه يعرّض القوات الأميركية مباشرة. وفي هذا المجال، يقولون إنّ نظام “ما بين البحرين” (البلطيق والأسود) الذي كان اقترحه البولونيون بعد الحرب العالمية الثانية كخط دفاع ضد ألمانيا والاتحاد السوفياتي قد تضيق في هذه المرحلة وخصوصاً بعد عودة بروز القوة الروسية. وهذا يعني أن تخزين الأسلحة والمعدات (والبشر) لا بد أن يشمل دول البلطيق ويمرّ في بولندا ليصل إلى رومانيا وبلغاريا على البحر الأسود.

هل لحلف شمال الأطلسي علاقة بالتخزين وما يرافقه من خطوات؟

هو ليس جزءاً من الحلف، يجيب الباحثون رغم أن الدول المشمولة به عضو فيه. ولم يقرّر حتى الآن إذا كانت هيكلية قيادته ستكون في بروكسيل عاصمته أو مستقلة. إلا أن هناك أموراً عدة لا تزال غير واضحة وأموراً أخرى تنتظر التبلور. فالولايات المتحدة اتخذت قراراً لإعادة مأسسة النظام العملاني للحرب الباردة الذي استعمل ضد أوروبا الشرقية علماً أنها تستطيع العودة عنه بسبب حجمه الصغير في البداية على الأقل. فضلاً عن أن “ما بين البحرين” هو الاستراتيجيا العقلانية الوحيدة في أوروبا غير المهتمة بالدفاع عن أوروبا الشرقية، إذ يمكِّن الأخيرة من الدفاع عن نفسها بمساعدة قوة كبيرة ضامنة.