منذ يوم الخميس، وانتهاء مقابلة الرئيس سعد الحريري وغرف صناعة الفوضى لم تهدأ. الهدف واحد: “يحترق البلد بلّي فيه”، ظناً منهم أن هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على “حزب الله”.
آراء وتحليلات بـ”الجملة”، كلها تحمل “الموال السياسي نفسه”، وكأن البلاد في ازدهار ولا “17 تشرين” ولا انفجار في المرفأ ولا “كورونا” ولا من يحزنون. انفصام متواصل، وكل هؤلاء ينشطون وفق مصالح: أحزاب، تيارات، شخصانية، أجندات خارجية. قوى عزلت نفسها تماماً عن الواقع اللبناني: إنه الانهيار “يا ناس”، لبناننا بلا مرفأ يا عقلاء. ولا تجيد هذه الفئة سوى أمرين: احباط أي محاولة لانقاذ البلد، و”الولولة” على الأوضاع التي وصل إليها البلد.
أحزاب تريد تسجيل نقاط على الاخرى لتحقّق شعبية داخل طائفتها. قوى سياسية تبحث عن تمويل خارجي، فتزايد على مواقف دول أزالت اسم لبنان من أولوياتها. حزب مسلح لا يعبأ بمصير اللبنانيين، هو “حزب الله” ومن غيره نفّذ أجندة في سوريا على دماء السوريين؟ وآخر يتمسك بوزارة أثبت فشله فيها، لا بل جذب العقوبات على اسمها وتحول إلى “حزب الله” آخر، وفي الوقت نفسه يريد مفاوضة اسرائيل. رئيس جمهورية عاجز و”تيار وطني حر” طائفي يبدّي مصلحة الطائفة على القرارات الوطنية، أما حلفاء “14 آذار” فحدث ولا حرج…
و”يا عين” على الثورة، التي أملنا فيها. سنويتها الأولى غداً، مشتتة بلا قرار، ومقتصرة على التنظير، حتى انفجار المرفأ لم يستطع أن يلمها من جديد، ولولا استقالة الحريري في 29 تشرين لما كان في جعبتها أي “انجاز”، ألم يكن أمامها الوقت الكافي لتكمل طريقها بإسقاط رئيسي الجمهورية ومجلس النواب؟
بالله عليكم… ألا تستيقظون؟
الدولار سيصل الى عتبة الـ 10 آلاف والمؤشرات توحي بتصاعد مخيف. لبنانيون يهربون عبر قوارب الموت، وآخرون يسرعون إلى وضع تأشيرات على جوازاتهم للاقلاع إلى بلد آمن.
طوابير من اللبنانيين أمام محطات المحروقات، وانفجارات في الأحياء السكنية جراء تخزين المحروقات خوفاً من رفع الدعم.
المستشفيات رفعت الراية البيضاء، و”لا دواء” و”كورونا” يخطف عشرات اللبنانيين. أسعار ملتهبة، جرائم وانتحار. موظفون لا يستلمون رواتبهم، ومن يستلمها يتقاسمها معه المصرف، مؤسسات تقفل ابوابها، المدارس في حالة سقوط. 6 دولارات كانت كافية لاشعال ثورة فيما كل هذا يحصل خلال اقل من سنة ولم نشهد فورة غضب تكمل الطريق، حتى الذين عارضوا قرارات حكومة ما قبل “17 تشرين” القاضية برفع التعرفة على الكهرباء وزيادة الضريبة على القيمة المضافة ما رأيهم بواقع اليوم؟
أصحاب نظرية “يحترق البلد بلّي فيه” يريدون مشاهدة احتراق وطنهم وهجرة شبابهم وموت أقاربهم وتدخل الدول لتقاسم النفوذ في لبنان… لمَ لا؟ أليس هكذا نقضي على “حزب الله”؟
للمرة الأولى التي يطل فيها الحريري على اللبنانيين بحالة من الغضب… لم يسلم أحد من ضرباته… نعم “حزب الله” جلب البلاء على لبنان، ونعم ما قاله الملك سلمان بن عبدالعزيز ودعوته إلى نزع سلاح “حزب الله” على حقّ ولا كلام بعد هذا الكلام… السؤال الحقيقي اليوم: كيف ننزع سلاح “حزب الله” ونبقي لبنان؟ كيف ننزع سلاح “حزب الله” ونوقف الانهيار؟ كيف ننزع سلاح “حزب الله” ونعيد إعمار بيروت؟
وأمام الأيام القاسية ويوميات العوز والقلق، هناك من يريد تغيير النظام أو حسم استحقاقات نيابية ورئاسية، أو يحلّل الحريري يفوز أو يخسر؟ الحقيقة ليس المهم من يربح أو يخسر المهم البلد… رحم الله لبنان من المجرمين، لا “مش يحترق البلد بّلي فيه” ولا تتحدثوا باسم لبنان… لستم الشعب اللبناني!