سأل الديبلوماسي الغربي صديقه الصحافي اللبناني، وكانا قد تجاورا في المقاعد مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي في زمن الكورونا: كيف تصف الوضع في بلدكم؟
الصحافي: كنت أود أن يصدر التوصيف عنك، فبلدك معنيٌ جداً بلبنان، وأنت شخصياً تعرفه معرفة مباشرة، إضافة إلى أنك تحبّه، ولك غير مداخلةٍ حوله في منتدياتٍ جامعية وفكرية رفيعة في بلدك، وكلها تنمّ عن ودٍ عميق لوطننا المنكوب. أما وأنك أردت مني وصفاً لما نحن فيه، فهو «حمامٌ مقطوعةٌ مياهه».
الديبلوماسي: أظن هذا التوصيف جيداً، ولكنه غير كافٍ.
الصحافي: لنقل «الطاسة ضايعة».
الديبلوماسي: إنها ضائعة من زمنٍ بعيد، ولكن هذا التوصيف يحمل أملاً بإيجادها. وفي بلدكم بات الأمل شبه مفقود كي لا أقول مفقوداً كلياً.
الصحافي: وما رأيك في «برج بابل»؟
الديبلوماسي: أكثر… أنتم برج بابل من حيث سوء الفهم، والرطن في الكلام، والسفسطة، والبروباغندا، وحتى التهريج الأسود.
الصحافي: «كعيت» (قال ما يُوازي هذه الكلمة بلغة بلد الديبلوماسي)، وأضاف: «هل لديك من توصيفٍ أكثر دقّة لحالنا؟».
الديبلوماسي: أرجو ألا تعتّب عليّ إذ أقول: إنكم في وكر الأفاعي. وليُؤذن لي القول: إن من يتابع، مثلي، الحوارات بين الأطراف يُخيّل إليه أن المتحدّثين، ولا أُعمم، ينفثون السموم مع الأحقاد. أخالني أستمع إلى فحيح أفاعٍ استشاطت غيظاً وغضباً. ثم قلّما استمعت إلى كلامٍ يُراد به خير الوطن والمواطن قدر ما يتقصّد مُطلقه تحطيم الآخر، والسعي إلى تسجيل النقط، وكأنه يحقّ لكم هذا الترف، فيما شعبكم يغرق ويغرق ويغرق إلى قاع القاع. اصغٍ جيداً إلى الحوارات، خصوصاً المُتلفز منها، فإذا الكلام سُمٌّ نُقاع وخناجرُ تُشهَر للطعن.
وجد الصحافي ذاته مُنطوياً على نفسه، مُنسحباً وهو يُردد: «ضيعان لبنان الذي عرفناه وعُشناه قبل أن يحوّلوه إلى هذا الجحيم».