ليس صعباً في لبنان أن تجدَ المسؤولينَ عن الإنهيار المالي والإقتصادي، وهم من ضمنِ المجموعة التي تعاقبت على الحكم وتولت المسؤوليات منذ العام 1992 وحتى اليوم، قد تضامنوا مع بعضهم البعض في تقاسمِ المغانم والحصص وتدمير مقدرات الدولة، بالتعاون والتكافل مع الوصاية السورية حتى العام 2005 والتي أدارت ورعت هذه المنظومة واستفادت منها إلى أقصى الحدود، فتحولَ مقرُ إقامة رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في عنجر إلى مركز القرار الذي ينفذهُ المسؤولون من دون تردد ويسارعون لكسب ود من أقام في المركز، ولكن المفارقة أن هؤلاء أنفسهم أو أكثريتهم على الأقل عادوا لشتم أولياء نعمتهم ولا سيما الراحلين غازي كنعان ورستم غزالة.
لقد تولى هؤلاءِ السلطة أو شاركوا فيها وأداروا البلد عشوائياً حتى اليوم، فلا سياسة مالية واقتصادية مفيدة ومنتجة، ولا مؤسسات وإدارات عامة فاعلة وحديثة، ولا إصلاحات ومكافحةً للفساد ووقفاً لهدر المال العام، ولا دولةً فعلية تملك قرارها ولو في أبسط الأمور، وكان هؤلاء يرون التدهور مستمراً أمام عيونهم فلم يبادروا إلى عمليةِ إنقاذ فعلية بل أمعنوا في ضرب كل مقومات النهوض السياسي والمالي والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، وواصلوا عملية الإغراقِ الممنهج للمؤسسات وتعطيلها من أجل تحقيق مصالحهم وطموحاتهم، كما واصلوا ارتهانهم للخارج ومخططاته، فاستمرت في ما بينهم شراكة تدمير البلاد وإنهاك العباد تحت عنوان الديموقراطية التوافقية والوحدة الوطنية.
اليوم يسأل هؤلاء مع السائلين عمن أوصل البلاد إلى قعر الهاوية، ويمارسون أكبرَ عملية إنكار لما ارتكبوه ليصح فيهم المثل الشعبي”بيقتلوا القتيل وبيمشوا بجنازتو”.
هؤلاء، كيفما اتجهت الأمورُ، هم المسؤولون عن انهيار البلد من كل النواحي، ولا يُفترض باللبنانيين أن يفتشوا عمن أوصلنا إلى ما نحن فيه، فالقضية ليست بالتأكيد مؤامرة خارجية، وإن كانت كذلك فهؤلاء المسؤولون هم أدواتها بامتياز أو على الأقل من المتواطئين معها أو من الفاشلين في التصدي لها وفي كل الأحوال يجب أن يحاسبوا.
في لبنان إن كان من مؤامرة فهي من قبل أهل السلطة والحكم، ولا يحق لهؤلاءِ أن ينأوا بأنفسهم عن التدهور الذي افتعلوه، وأن ينصِّبوا أنفسهم عرّابي أي حل، فمن لم يستطع طوال عشرات السنوات أن يعيدَ جمع أشلاء دولة دمرتها حرب شارك بعضهم فيها، فهو لا يملك بالتأكيد النية والإرادة لإخراج لبنان من هذا النفق، بل يملك الأدوات لبقائنا في الانهيار حيث لا يوجد مساءلة ولا محاسبة ولا اتهام بالأدلة والقرائن ولا محاكمة ولا سجن ولا استعادة للأموال والأملاك المنهوبة، فالإنهيار هو وسيلتهم الوحيدة للدفاع وهذا هو شأن الفاسدين في كل الدول.