Site icon IMLebanon

3 تشقُّقات تُنذر بالانهيار

 

هناك عناصر خطرة تداخلت في الأزمة خلال الساعات الأخيرة، ودفعت كثيرين إلى السؤال: هل إنّ ما يجري يبقى ضمن لعبة «عضّ الأصابع»؟ أم إنّ البلد بدأ يدخل عملانياً في زمن الانهيار الكبير؟

ربما ينظر كثيرون إلى المبادرة الفرنسية بخفّة، ويقولون: «إنّ فرنسا لا تقدّم ولا تؤخّر في لبنان، وإنّها مجرد وسيط يبحث عن مصالح محدَّدة، فيما الكلمة الفعلية هي لواشنطن وطهران في النهاية».

 

العارفون يعتقدون أنّ هذه النظرة تنطوي على خطأ كبير في الحسابات، وأنّ قوى السلطة – ومعها لبنان كلّه- يمكن أن تدفع ثمناً باهظاً بسبب تعطيلها مبادرة فرنسا ودفعها إلى الاقتراب من واشنطن. ففي هذه الحال، سيفقد لبنان وسيطاً دولياً يساهم في «تخفيف الوجع»، وسيُترَك هذا البلد لمصيره من دون دعم وتكون العواقب قاسية عليه. وهو الأمر المرجّح اليوم.

 

وللتذكير، الفرنسيون أيضاً لهم عقوباتهم ضدّ لبنان. ففي أواخر العام الفائت، وفي ذروة حماسته للمبادرة تجاه لبنان، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنّ فرنسا أيضاً، كما الولايات المتحدة، ستفرض عقوبات على النافذين في السلطة إذا لم يتجاوبوا مع مبادرتها ويلتزموا شروط المجتمع الدولي للإصلاح. ومعلوم أنّ فكّ ارتباط لبنان بإيران هو أبرزها.

 

كان ماكرون آنذاك يحاول «تطمين» الأميركيين الى أنّه ينسجم معهم في لبنان. ولكن، على الرغم من أنّ الفرنسيين هم أصحاب نظرية «تدوير الزوايا» مع «حزب الله» ومراعاة الخصوصيات اللبنانية، فإنّهم أيضاً يحاذرون إفراغ المبادرة من أي محتوى، فتصبح بلا جدوى حتى لجهة تأمين مصالحهم في لبنان.

 

وعلى الرغم من أنّ الفرنسيين، خلافاً لرغبات واشنطن، يقبلون بإشراك «حزب الله» في السلطة ويريدون إقامة علاقات طيّبة معه ومع إيران، فإنّهم أيضاً يرفضون استمرار لبنان في الدوران داخل المحور الإيراني، ويعملون لإلغاء سيطرة طهران على البوابة الشرقية للمتوسط، حيث أصبحت أوروبا ومخزونات الغاز البحرية في مرمى الصواريخ. وعند هذه النقطة، هم يتفاهمون مع الأميركيين.

 

لذلك، يعتقد بعض المتابعين أنّ من الخطأ، حتى لـ»حزب الله» وإيران، فُقدان الفرنسي كوسيط. والخطأ الأكبر قد يكون تجاهل الجهود الفرنسية إلى حدّ استثارة ماكرون ودفعه إلى التماهي تماماً مع الموقف الأميركي المتشدّد، بل ربما السماح بفرض مزيد من العقوبات على لبنان وحكومته و»الحزب» وحلفائه، أو المشاركة فيها كما هدّد ماكرون سابقاً.

 

وعلى الأرجح، يدرك «الحزب» هذه الحقائق، ويعرف أنّ ملاقاة الفرنسيين إلى منتصف الطريق من شأنها توفير مخارج آمنة من الأزمة، لكن ذلك لا يتناسب ومتطلبات المواجهة الحادّة بين إيران والقوى الغربية. ومن العبث النقاش مع «الحزب» حول مسألة فكّ الارتباط بينه وبين إيران، لأنّه يعتبر نفسه جزءاً أصيلاً من هذا المحور.

 

هذا يعني فشل المحاولات التي يجريها ماكرون، ومعه الرئيس سعد الحريري، على خطوطٍ عربية لدعم التسوية. فالسعوديون والإماراتيون والقطريون لن يتصرَّفوا خارج التنسيق مع الإدارة الأميركية في ملف المواجهة مع طهران.

والسيناريو الحاصل يذكّر بسيناريو صيف 2019، قبيل الانتفاضة، عندما حاول الحريري عبثاً أن يحصل على المال من الخليج والأوروبيين، لكن «الفيتو» الأميركي كان بالمرصاد. وبعد ذلك، وجدت السلطة نفسها أمام المواجهة المباشرة مع الناس في 17 تشرين الأول.

 

وينظر البعض إلى مؤشرات بدأت تظهر أخيراً أو تتفاقم، وهي تُختصر بالفوضى في الأبواب الآتية:

 

1- الفوضى المالية – النقدية العارمة التي لم يعد الشارع قادراً على تحمّلها. وهي بدأت بالصعود المثير لسعر الدولار إلى 9500 ليرة، وربما إلى سقوف غير محدّدة، بالتوازي مع عملية رفعٍ متدرِّج ومستترٍ للدعم عن السلع الأساسية، وربما تتّسع لتشمل الأغذية كلها والمحروقات والأدوية.

 

ويضاف إلى ذلك، الفشل في دعم العائلات بالمال، وتعثُّر الاتفاق على قرض الـ247 مليون دولار مع البنك الدولي، وسط روائح الفساد وفضائح نهب المساعدات التي دفعت القوى المانحة إلى التهديد بوقفها.

 

يُضاف إلى ذلك، الغموض الذي يسيطر على العلاقات بين قوى السلطة وصندوق النقد الدولي، بعد انكشاف ارتكابات قوى النفوذ في المرافق والمؤسسات كافة، بدءاً بالقطاعين المصرفي والمالي، وتهرِّبها من كل أشكال التدقيق.

 

2- الفوضى السياسية التامة على مستوى إدارة السلطة، حيث لا حكومة فاعلة ولا حتى إدارة أعمال حقيقية، فيما أفق الاستحقاقات النيابية والرئاسية المقبلة مسدود تماماً. ويوحي الصدام السياسي بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف، وكذلك الصدام بين المحاور السياسية والطائفية والمذهبية، أنّ الحل لم يعد وارداً إلاّ بصياغة جديدة للمعادلات في البلد، لم يحن موعدها بعد.

 

3- فوضى الاشتباكات والتواطؤات الإقليمية والدولية التي يقف لبنان على التقاطع بين أزماتها: سوريا، الملف الإيراني، النزاع أو التفاوض مع إسرائيل، طريقة التوازن في التعاطي بين الشرق والغرب. وربما يدفع لبنان ثمناً باهظاً لأي «دعسة ناقصة» إضافية يخطوها إقليمياً أو دولياً، في لحظة ضعفه أو استضعافه.

 

إذاً، هل يمكن الحديث عن بداية تشقّقات في «الخزّان» الملتهب، تقود إلى انفجاره أو انهيارِ جدرانه؟ هناك مَن يخشى أن يكون لبنان قد دخل في هذا الزمن.