IMLebanon

اللامسؤولية وعلك الصوف في “دومينو الإنهيار”

 

 

لبنان دخل المرحلة الأخطر في “دومينو الإنهيار”. ولا شيء يوقف الإنهيار حين يتم تركه من البداية بلا معالجة. والأسوأ عندما تعمل قوى على توظيفه في مصلحتها، وتتصور أنه سلاح في يدها ضد خصومها.

 

في البدء كان الإنهيار السياسي: إدمان الفراغ والمراوحة بين سلطة بلا مسؤولية وبين مسؤولية بلا سلطة. إلغاء السياسة وسط ضجيج الثرثرة السياسية، بحيث صارت “السياسة هي التنظيم المنهجي للحقد” كما وصفها هنري آدامز، بدل أن تكون إدارة شؤون الناس. علك الصوف في سجالات عدائية هزيلة لتغطية الأسباب الحقيقية وراء تعطيل الحكومة. التلاعب بالدستور والصراع على الحصص في نظام مفتت الصلاحيات ليبقى في حاجة الى من يديره من الخارج مفتقداً “الضابط الكل” في الداخل. والإندفاع في صراعات المحاور، ضد طبيعة لبنان ودوره، بما قاد الى تصرف الغرب والعرب كأن لبنان “إيران صغرى”.

 

ومن طبائع الأمور أن يقود الإنهيار السياسي الى الإنهيار المالي والإقتصادي. فالمافيا المتسلطة أكملت السطو على المال العام بالسطو على ودائع الناس في المصارف. والدين العام الذي راكمته على البلد عبر الإقتراض من الداخل والخارج زاد من ثروات التركيبة الحاكمة والمتحكمة. وهي تمارس رياضة الدوران أمام الجدار، رافضة الدخول من الباب الضيق والوحيد المفتوح فيه لبدء مسار الإنقاذ، خوفاً من أن تقيم الإصلاحات المطلوبة سداً في وجه الفساد والرشوة والنهب. وكل ما فعله حاكم المصرف المركزي وأصحاب المصارف وأدى الى تعميق الإنهيار، فإنه خارج المساءلة، قبل حديث المحاسبة والمعاقبة.

 

ولا مهرب، وسط ذلك، من الوصول الى الإنهيار القضائي، ما دامت “إستقلالية” السلطة القضائية حلماً منذ الإستقلال. فالتدخل السياسي مع القضاة على المكشوف. والفرص معدومة أمام المواطنين لتحصيل ودائعهم بدعاوى أمام القضاء. ثم جاء المشهد التراجيدي – الكوميدي في “حرب” القضاة واستخدام الشارع فيها والهتافات والكسر والخلع في التحقيق الذي أصرت عليه القاضية غادة عون برغم قرار القاضي غسان عويدات، فأعاد التذكير بأغرب مشهدين: واحد في بداية الثورة الإيرانية، حيث لعب آية الله خلخالي دور القاضي الذي يجري المحاكمات على الواقف في الشارع أمام جمهور يصفق له. وآخر في العراق أيام الزعيم عبد الكريم القاسم، حيث كان إبن خالته العقيد المهداوي يجري المحاكمات أمام جمهور يهتف له ويشتم المتهم ولو كان رئيس حكومة سابقاً، ويلقي القصائد لتمجيد قاسم.

 

وليس أخطر من الإنهيار سوى الإصرار على تعطيل أي حل يوقفه. ومن الوهم أن تتصرف أية فئة على أساس أنها “الفرقة الناجية”.

 

يقول الفيلسوف أبراهام هيشل: “في مجتمع حر، البعض مذنب، لكن الكل مسؤول”. أما في لبنان، فإن الشعب هو المذنب والحكام غير مسؤولين.