IMLebanon

… لأنّنا “مزرعة”

 

ليست لدينا دولة. هذا واقعٌ وليس مجرّد استنتاج. والأدلة تؤكد ذلك، من الكهرباء و”النأي بالنفس”، حتى أسلوب مواجهة حكومة دياب الـ”كورونا”. وما كنا لنصل الى هذا الانحدار لو استطعنا، إثر اتفاق الطائف، استعادة الدولة الممزّقة بدل تحويلها نظام محمياتٍ طائفية حزبية جرَّ الخراب على البلاد والعباد.

 

والإنهيار الذي نعيشه نتيجةُ تراكمات. فتقاسم الحصص والنفوذ وابتزاز إعادة الإعمار وتحويل لبنان ورقة اقليمية في ظل الوصاية السورية أفضت الى الجريمة النكراء في 14 شباط 2005. وإصرار “حزب الله” على الاحتفاظ بالسلاح بعد تحرير الجنوب، أدى، تحت شعار انتظار “الدولة القادرة”، إلى شلّ ما تحصَّل من قدرةٍ للدولة، فصارت كسيحة تستعطف “الأمن بالتراضي”، وتتعطل فيها المؤسسات الدستورية لأشهرٍ وسنوات، ويسود فيها التعيين بدل الانتخاب، والفساد بدل الأمانة، والقدَر بدل القضاء .

 

لم تندلع ثورة “17 تشرين” ضد الدولة بل ضد غيابها. أبرز ما حققته هو كشف المستور وإنهاء اللعبة الجهنمية التي استندت الى تغطية الفساد المالي والسياسي في مقابل تنازل الدولة عن قرارها الأمني وسياستها الخارجية المنسجمة مع محيطها العربي ومصالح شعبها.

 

و”التفليسة” التي نغرق فيها ليست خطأ في الرؤية الاقتصادية ونهج الإقتصاد الريعي فحسب، بل هي نتيجة حتمية لغياب القرارات السيادية. أهناك أبسط من إقفال المعابر غير الشرعية؟ فشلت الدولة في تحقيقه رغم بديهيّته.

 

وهل أسهل من ضبط الجمارك؟ هنا أيضاً تُرك الحبلُ على غاربه منذ ثلاثين عاماً.

 

وهل أهم من وجود قوى أمنية لا شريك لها؟ طبعا لا…إلخ.

 

وإذا كانت مطالب الثورة المعلنة تتجسّد على شكل دعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، أو تأكيد على إستقلالية القضاء، أو تشكيل حكومة اختصاصيين حقيقيين، فإنّ فكرتها الأساس هي المناداة بـ”دولة القانون”. ولم تكن مقاومة السلطة الشرسة حكومة المستقلين وإصرارها على حكومة التُبَّع والمستشارين إلا انعكاساً لإرادة مَن أثروا بفعل هريان الدولة ومارسوا سياساتهم على حسابها ويريدون النجاة من المحاسبة. فاستعادة اللبنانيين دولتهم يلغي حتماً “المزرعة” التي عبثت فيها تركيبة سياسية ومالية على مدى ثلاثة عقود ولا بدّ أن تخضع للتحقيق ويُزج معظم وجوهها خلف القضبان.

 

ثورة “17 تشرين” تأسيسية وليست عابرة، لذا ستستمرّ مهما اعترضتها الصعاب. مطلبها بديهي وهو”دولة المواطنين”. تريدها طبيعيةً مكتملة الأركان لا يتجرّأ عليها حزبٌ ولا عشيرةٌ ولا طائفة ولا يحقّ فيها لرجال دينٍ ممارسة شعائر تعرّض المؤمنين لأي وباء.