لا حل لأزمة التأليف من دون تفاهمات مسبقة حتى لو اجتمعت الإنس والجن
تُنبئ الأسابيع والأشهر المقبلة على لبنان بأوضاع صعبة جداً على كل الصعد، حيث أفق السياسة والمساعدات والاهتمام الدولي اللازم مسدود إلى درجة تبعث على القلق والخوف من ان نصل إلى ذات صباح ويكون الشارع قد أفلت من عقاله كنتيجة حتمية لعدم قدرة غالبية الشعب اللبناني على تحمل وزر الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي بلغت الدرك الأسفل من الانهيار.
فالأزمة التي تعصف بلبنان لم تعد أزمة تأليف حكومة بل أصبحت أزمة متشعبة تأخذ شكل «بيت العنكبوت»، حيث أن الحلول مستعصية، وفي حال نجح أهل الحل والربط في إقفال أي مربع من مربعات الأزمات، فُتح مربع آخر في أمكنة أخرى، ربما لا يكون في الحسبان، وهكذا دواليك إلى ان نصل إلى المكمن الأساسي للأزمات المتشعبة والتي بات الجميع يُقر بوجودها وهي أزمة النظام الذي بات يحتاج إلى «نفضة» تنسفه من أساسه، وتعاد صياغته بما يتلاءم والواقع الحقيقي للبنان، ويتعايش والمتغيرات التي طرأت على المنطقة بكاملها، لكن الوصول إلى هذه الغاية المنشودة وإن كانت غالبية القوى السياسية تطمح بحصولها وإن كان برؤى مختلفة لا تزال بعيدة المنال، حيث إن أولى متطلبات أي تغيير في المشهد السياسي أو الدستوري في لبنان تحتاج إلى تفاهم وإجماع، وهاتان المسلّمتان من الصعب إيجادهما في هذا البلد حتى لو اجتمعت الجن والإنس في طلب ذلك، ولأن الواقع هكذا فإن لبنان سيبقى تحت وطأة أزمات متعددة ومتلاحقة إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً، مهما حاول أهل السياسة التعمية على هذه الحقيقة المرة التي تؤكد يوماً بعد يوم ان المسؤولين في لبنان لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي الذي يؤهلهم إدارة شؤون بلادهم من دون الاستعانة بصديق أو بأي جهة خارجية مهما كانت المسافة الجغرافية بعيدة بينها وبين لبنان.
المتابع لمسار الأزمات المفتوحة في لبنان يدرك بأن حلها لن يكون بالأمر السهل، وأن مقاربة هذه الأزمة أشبه ما تكون إلى مقاربة فيروس كورونا الذي تفرعت عنه متحورات عديدة من الفيروسات التي باتت تقلق الخبراء والباحثين عن العلاجات الناجعة لها، فكما كل فيروس له علاجه الخاص، كذلك هي الأزمات في لبنان، وإن كان البعض يرى أن باب الولوج لمعالجة هذه الأزمات يكون بتأليف حكومة، فلنفترض أن الحكومة ولدت في الساعات المقبلة، فهل ستكون قادرة لوحدها على معالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية والنقدية… إلخ؟ بالتأكيد لا، لأن أي حكومة جديدة ستكون أشبه بصندوق فارغ، وهذا الصندوق لا يمكن أن يمتلئ الا بمساعدة خارجية وهذه المساعدة الخارجية شئنا أم أبينا يربطها أصحابها بتغيير المعالم السياسية للبنان، أي بمعنى أن عليه أن يحدد اتجاهاته بشكل واضح، فالولايات المتحدة الأميركية كما بات معروفاً لن تساعد لبنان ولن تسمح لأي دولة بتقديم المساعدة له إذا بقي واقعه السياسي على ما هو عليه، لا بل ان واشنطن بصدد فرض المزيد من القيود والضغوطات تجاه اي مساعدة للبنان إلى ان تحقق غايتها في إبعاد «حزب الله» عن موقع القرار، وهذا التوجه تجاهر به الإدارة الأميركية وكذلك سفارتها في بيروت.
المسؤولون لم يبلغوا سن الرشد السياسي الذي يؤهلهم إدارة شؤون بلدهم من دون الاستعانة بصديق
في هذا السياق، ترسم مصادر سياسية متابعة صورة قاتمة للمشهد اللبناني بمختلف جوانبه، وهي ترى ان البلد أمام مرحلة مفصلية، فإما يذهب إلى الارتطام الكبير، وبالتالي يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وإما تنجح المساعي الجارية في تأليف حكومة التي من خلالها يمكن تأخير السقوط أو تجنبه في حال كانت النوايا الداخلية والخارجية صادقة بإمكانية شروع المجتمع الدولي في مساعدة لبنان، من بوابة وجود حكومة مكتملة الأوصاف تكون قادرة على تنفيذ رزمة من الاصلاحات التي وعد لبنان بتنفيذها في المؤتمرات الدولية التي انعقدت لأجل مساعدته.
وفي رأي المصادر أن الرؤية الحكومية لا تزال ضبابية، وما قاله الرئيس نبيه بري بالأمس من أن لبنان يقف على مفارق، وأن الوضع لن يبقى على ما هو عليه، يؤكد أننا أمام ساعات أو أيام قليلة حاسمة على مستوى التأليف، سلباً كان ذلك أم إيجاباً، ولا سيما أن كلام رئيس المجلس جاء عقب لقائه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي حتماً أودعه سراً لن يفصح عنه الرئيس بري، وهذا السر متعلق بالاعتذار أو عدمه عن مهمة تأليف الحكومة، وهذا السر لن يدوم كثيراً حتى يظهر إلى العلن، بعد أن يكون الرئيس الحريري قد انتهى من مروحة الاتصالات واللقاءات المكثفة التي سيجرها مع اكثر من جهة سياسية في ما خص رؤيته النهائية والثابتة في ما خص تأليف الحكومة العتيدة.
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن أي قرار لن يتخذ على المستوى السياسي إلا بعد انتهاء زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومعرفة ما حمله في جيبه من مقترح لدى الدوحة لإخراج لبنان من أزماته، مع الإشارة إلى ان هذه الزيارة القطرية لا تزال غير معروفة ما إذا كانت ناجمة عن اهتمام قطري بلبنان وخوف واقعي من انزلاقه إلى أتون الفوضى، أم أنها منسقة مع جهات على صلة بالوضع اللبناني، ومهما يكن شكل هذه الزيارة فهي ذات اهمية كبيرة ودلالة واضحة على ان لبنان لم يغب عن المشهد السياسي العربي، وأن هناك من يريد أن يساعده إن هو قرر مساعدة نفسه، ناهيك عن الاهتمام المصري الذي عاد إلى الظهور بعد لقاء الرئيس المصري الرئيس الحريري، وكذلك الاهتمام الفرنسي الذي لم يتوقف منذ أن أودع الرئيس ايمانويل ماكرون المسؤولين اللبنانيين مبادرته لحل الأزمة.
ولا تغلق المصادر الباب أمام امكانية أن يكون الرئيس الحريري قد ابتدع خلال وجوده في الخارج أفكاراً جديدة يراها مناسبة لتداولها مع القوى السياسية في لبنان علَّها تساهم في فتح ثغرة في جدار الأزمة تمكنه من أن يصعد قريباً إلى قصر بعبدا حاملاً في جيبه توليفة حكومة جديدة لطرحها على رئيس الجمهورية.