بكيت بالأمس مرات عدة مثل الطفل التائه الذي فقد أهله في زحام الغربة!
بكائي أمس كان عندما تسمرت أمام شاشة التلفزيون منذ الصباح أتابع لساعات طويلة ذكرى مرور عام على شهداء مرفأ لبنان.
الدموع متعددة الأسباب، تارة على الشهداء (٢١٩)، والجرحى (٧ آلاف) والمتضررين ٧٠ ألفاً، وتارة على أهاليهم، وتارة ليس على تفجير المرفأ ولكن على جريمة تفجير الحلم اللبناني في وطن سيد مستقل.
ما زالت الساعة ٦ وسبع دقائق في الرابع من أغسطس ٢٠٢٠ هي ساعة وجع عميق وجرح نازف في قلب كل من يدعي أنه ينتمي الى الإنسانية.
أسئلة ما زالت تبحث عن إجابات تطرحها على عقولنا وضمائرنا أرواح الشهداء وأجساد المصابين ونفوس المنكوبين.
الاسئلة كثيرة، ولكن أهم الاسئلة: لماذا حدث ما حدث؟
الإجابة الصريحة الشجاعة ان هناك من أصدر أمراً باستيراد ٢٧٠٠ طناً من نيترات الأمونيوم شديد الانفجار كي يستخدم كمادة تفجير في حرب داخل سوريا.
إبقاء الباخرة الناقلة هو أمر مفتعل متعمد كي يصبح العنبر رقم ١٢ بمرفأ بيروت هو المخزن السري الذي يتم فيه التخزين والسحب والنقل كلما دعت الحاجة.
استمر هذا الامر أكثر من ٧ سنوات.
انفضح الامر كله حينما تم ضرب العنبر رقم ١٢ من قِبَل إسرائيل.
لم تعترف إسرائيل، ولم يعترف أصحاب الامر، وجهات التخزين، وجهات النقل والدولة المستفيدة.
المذهل ان أحداً لم يوجه اتهاماً صريحاً لإسرائيل لسبب بسيط لأن ذلك يعني ان العنبر رقم ١٢ كان هدفاً عسكرياً بامتياز داخل مرفأ تجاري مدني يقع قبالة أكبر تجمع سكني في العاصمة بيروت.
لم يسأل أحداً أين ذهب فارق الكمية التي وصلت من ٧ سنوات وهي ٢٧٥٠ طناً، والكمية التي انفجرت ٥٥٠ طناً؟ أين ذهب ٢٢٠٠ طناً؟
كل ذلك يدخل في اللامعقول السريالي ولكن المؤلم الموجع الذي يعبر عن فقدان الحس الانساني، والضمير الوطني، والسلوك الاخلاقي هو القيام بأربعة أفعال من قبل النخبة السياسية الحاكمة والمؤيدة لها:
أولاً: رفض مبدأ التحقيق الدولي.
ثانياً: تعطيل دور أي جهة تحقيق عادلة محايدة في فضح الملف.
ثالثاً: رفض رفع الحصانة التي يعطيها الدستور والقانون للشخصيات المراد مثولها للتحقيق.
رابعاً: وهذه أخطر الأمور هي توجيه صيغة وجوهر الجريمة من التهديد الجنائي الجرمي لحياة الابرياء الى مسألة إهمال جسيم في تأمين المتفجرات!!
المسألة ليست كيف لم نقم بتأمين وحسن تخزين المتفجرات، ولكن من أمر؟ ومن نقل؟ ومن خزن؟ ومن استخدم المتفجرات عن عمد مبيت منذ لحظة خروج السفينة الناقلة من تركيا!
أولياء الدم في هذه الجريمة المروعة ليسوا أهالي الضحايا أو المصابين أو المتضررين ولكنهم كل أبناء الشعب اللبناني الصبور.
مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا تضيع بالتزوير أو طمس الحقائق أو إخفاء الفاعلين الاصليين.
طال الزمان أو قصر ستأتي حكومة، وسيأتي برلمان، وسيأتي قضاء حر ويفضح القتلة ومعاونيهم ومن تستر عليهم.
أؤمن بذلك إيماناً مطلقاً كما أؤمن بقوله تعالى: {ان الله يسمع ويرى} – صدق الله العظيم.
وكما قال غبطة البطريرك الراعي في كلمة التأبين مساء أمس: «الهزيمة تبدأ في النفوس، وآلامنا اليوم هي مخاض الغد».
يا للهول عادة تهتف الشعوب ضد حكامها الهتاف الشهير:
«الشعب يريد إسقاط النظام»، وحده لبنان استثناءً اليوم فهو أول حالة يهتف فيها الحكم: «الحكم يريد إسقاط الشعب»!