IMLebanon

لا بتعيشوا ولا بتموتوا

 

 

هو حالنا الذي يبدو أنه مطلوب منا أن نتعايش معه لأشهر طويلة مقبلة، إن لم يكن لسنوات قليلة آتية!

 

ما زال الكثير من اللبنانيين يكابرون ولا يريدون أن يصدّقوا أن هذا الحال فرض تغييراً جذرياً على نمط حياتهم التي إعتادوا عليها على مدى أكثر من 25 عاماً. كذلك لا يريدون أن يقتنعوا أن منظومة الفاسدين في السلطة لم تكن تنهب وتهدر أموال القروض الخارجية والمنح والهبات والمال العام فحسب، إنما أيضاً كانت تتنعّم بوادئعهم وتستثمر فيها من خلال سطوتها على مصرف لبنان وبالتعاون والتآمر مع حاكمه ومع كبار المستثمرين في المصارف اللبنانية.

 

كما أنهم، أي معظم اللبنانيين، يرفضون مطلقاً فكرة أن تمويل دعم متطلباتهم الحياتية إضافة الى كلفة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية كان يتم من ودائعهم، بمعنى آخر أنهم كانوا يعيشون من مالهم ولا فضل لأحد عليهم، وعندما نفد هذا المال أعلن الفاسدون وشركاؤهم في المؤسسات النقدية والمصرفية إفلاس اللبنانيين كافة ما عداهم هم!

 

إذاً، الواقع أن معظم الشعب اللبناني مفلس بينما منظومة الفاسدين في السلطة وزبانيتهم في الإدارات والمؤسسات وحلفاءهم في مصرف لبنان والمستثمرين في المصارف الخاصة ما زالوا يحتفظون بأرصدتهم في المصارف اللبنانية وبإمكانهم تحريكها وتحويلها الى خارج لبنان حين ترغب والشواهد كثيرة، وبعضهم قام بتسييلها عقارات وإستثمارت غير منقولة، وبعضهم الآخر سحب جزءاً كبيراً منها “كاش” لزوم رشوة بعض الأتباع الصغار بمبالغ مقطوعة قليلة، أو بهدف شراء مواد تموينية وتوزيعها على هؤلاء الأتباع إعاشات مناسباتية، وكل ذلك لتغطية هدف أساسي وهو إخراج كميات كبيرة منها الى بعض البلدان الأفريقية التي يسهل شراء ذمم المسؤولين فيها كما هو حال بعض المسؤولين اللبنانيين.

 

إنها أكبر “نصبة” مقوننة في تاريخ الشعوب! ذلك أن أبطالها أشخاص يمسكون بمفاصل الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية وأجهزتها القضائية والأمنية والعسكرية، بمعنى آخر أنهم ليسوا مافيا خارجة عن القانون يعملون تحت جنح الظلام، ولا قراصنة يكتفون بالغنائم المتوفرة في المراكب العابرة، وبالتالي كيف السبيل الى محاسبتهم وهم مرتكبو الفساد والنهب وفي الوقت نفسه السلطة المسؤولة عن المساءلة والمحاسبة!

 

والحال هذه ماذا ينتظر اللبنانيون؟ سؤال لا بد من طرحه في ظل إفلاس الدولة وإفلاسهم، والأهم بعدما قررت مجموعة الدول المانحة والداعمة مالياً وإستثمارياً للبنان منذ مؤتمر باريس1 حتى مؤتمر “سيدر”، إضافة الى المؤسسات الدولية المعنية كالبنك الدولي وصناديق التنمية التابعة للأمم المتحدة، وقف أي شكل من أشكال الدعم المالي للبنان من دون إجراء إصلاحات جذرية في البنية الإدارية والإقتصادية والمالية والنقدية في الدولة اللبنانية. وهو أمر تتعامل معه السلطة الحاكمة بإنكار كامل، بل هي ما زالت مقتنعة أنه بإمكانها الإحتيال على المجتمع الدولي وتبليعه بعض التغييرات الشكلية في التركيبة الحكومية الى جانب تشريعات مفبركة، بحيث يدفعه ذلك الى العودة الى تمويل الضرورات الحياتية والمعيشية للبنانيين من خلال قوى هذه السلطة، بالإضافة الى تحسين أوضاع البنى التحتية وفي مقدّمها موضوع الكهرباء. وعلى هذا الأساس تراهن هذه القوى على إستعادة آلية الزبائنية ذاتها التي إعتمدتها سابقاً وبنت عليها ركائز إستحواذها على السلطة والمال معاً.

 

لذلك لا يتوهمنّ أحد أن العودة بحياة اللبنانيين الى سابق عهدها أمر ممكن في المدى المنظور، ولا ينتظرنّ أحد إنهياراً شاملاً يجعل من لبنان ساحة للحروب وللفوضى الهدّامة. سنبقى في حالة “بين بين”، فإذا وصلنا الى شفير الموت سيتمّ مدّنا بالأوكسجين المالي المحدود والمحدّد وفقاً لأجندة الأولويات التي تحددها المؤسسات الدولية ورعاتها، لكننا لن نحصل مطلقاً على العلاجات المالية والإقتصادية الشافية طالما أن هذه الطبقة الحاكمة تتربّع على كراسي المؤسسات.

 

بالتأكيد هذا ليس تبرئة لبعض الدول التي تعاملت وتعاونت مع أركان الفساد على مدى سنوات طويلة، وإعتمدتها مراجع تحط ّرحالها عندها في زياراتها الى لبنان، بل أنها إستخدمتها ممرّاً وأدوات تنفيذية وتشريعية لكشف لبنان مالياً ونقدياً أمام إمكانية حصاره سياسياً، ومن ثم تجفيف أي مساعدات أو تحويلات مالية كبرى من الخارج، وبالأخص من الإغتراب اللبناني الذي شكّل تاريخياً رافداً مهماً في الدورة الاقتصادية للبنانيي الداخل.

 

والأمر كذلك ماذا يمكن أن تفعل حكومة يتم التباحث في تشكيلها طبقاً للمواصفات السابقة القائمة على المحاصصة التي من المفترض أن توفر للمرجعيات الطائفية والمذهبية التي ستسمي الوزراء في هذه الحكومة، إمكانيات خدماتية وتوظيفية تمكّنها من الفوز مجدداً في الإنتخابات النيابية المقبلة. وماذا يمكن أن نأمل من قوى سياسية همّها الوحيد الحفاظ على مكتسباتها السلطوية وعلى سطوتها في بيئتها الطائفية والمذهبية!

 

ومن لديه القدرة الفعلية على إنقاذ واقع إقتصادي ومالي ومعيشي مأزوم الى درجة الإهتراء المميت!

 

الأجوبة شبه معدومة إلا في حالتين: الأولى، تشكيل حكومة من شخصيات تتمتع بالكفاءة اللازمة وبنظافة الكف وتقوم على المداورة الشاملة في الوزارات كافة، على أن يتم منحها صلاحيات تشريعية إقتصادية ومالية إستثنائية طيلة فترة عملها وصولاً الى موعد الإنتخابات النيابية العام 2022. والثانية، التعايش مع هذا الواقع المأسوي لمن يقدر على ذلك، بإنتظار تلك الإنتخابات والتوجه حينها الى صناديق الإقتراع لمحاسبة منظومة الفاسدين، وهو أمر ليس مضمون النتائج مع جزء من الشعب اللبناني الذي يسهل تحريك غرائزه الطائفية والمذهبية كلما إحتاج الزعيم الطائفي الفاسد الى ذلك.

 

..أو إتخاذ الخيار السهل الصعب: الهجرة.