بنفسه، أبلغ رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي خلال الأسبوع الماضي، كلّ من سأله عن مشاورات التأليف، بأنّ الوضع الحكومي مقفل، لكنه لن يستسلم. بدا المشهد سوداوياً من منظاره. كما أنّ المطلعين على سير التطورات تحدثوا قبل أيام عن انزعاج كبير لدى الفريق العوني من استعانة القطب الطرابلسي بالإدارة الفرنسية للضغط على رئاسة الجمهورية لتسهيل أمور التأليف. ولذا بدا الوضع صعباً، ويواجه حائطاً مسدوداً…. إلى أن قرر حاكم مصرف لبنان رمي قنبلة رفع الدعم بوجه السلطة القائمة. وما من سلطة دستورية تنفيذية قائمة، إلا رئاسة الجمهورية.
في الواقع، وعلى عكس الإدعاء بأنّ اعلان رفع الدعم كان مفاجئاً، فإنّ قوى السلطة تعرف جيداً أنّ سلامة أبلغ قبل أيام كل الشركات المستوردة المستفيدة من الدعم بأنّه سيمتنع عن فتح أي اعتماد يتكّفل فيه بدفع الفارق بين السعر الرسمي للدولار أي 1500 وبين سعره في السوق الموازية. ولذا لم يأت بيانه مساء يوم الأربعاء الماضي إلا في السياق المنتظر بعدما أبلغ المجلس الأعلى للدفاع بنيّته وقف كلّ أشكال الدعم، اذا لم يكن مغطى بتشريع قانوني يتيح له الصرف من الاحتياطي الإلزامي. وهذا ما عاد وأكده سلامة بنفسه من خلال قوله إنّ “جميع المسؤولين في لبنان كانوا يعلمون بقرار رفع الدعم، بدءاً من رئاسة الجمهورية مروراً بالحكومة وليس انتهاءً بمجلس الدفاع الأعلى”.
في تلك الليلة الطويلة، غرّد رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل متهماً حاكم مصرف لبنان بتفجير البلد، على اعتبار أنّ القرار كان صادماً وغير متوقع وأنّ الوضع كان في أحسن أحواله، واذ بقنبلة رفع الدعم تطيح بالاستقرار النقدي والمالي والسياسي! وتحدث عن “قرب تأليف الحكومة”، مع العلم بأنّه لا يتدخل في تفاصيل المشاورات الحكومية ولا شأن له بها لا من قريب ولا من بعيد!
بالنتيجة، يبدو أنّ اصرار سلامة على وقف فتح الاعتمادات للمواد التي كان يتكفّل مصرف لبنان بدعمها، قد حرّك المياه الراكدة، وباتت أجواء التأليف أكثر ليونة وقابلية للترجمة العملانية. الأرجح أنّ الفريق العوني استشعر خطر قرار “الحاكم” الذي قد يفجّر الوضع برمتّه. والأرجح أنّ غضب الناس ونقمة الشارع قد ينصبان على رئاسة الجمهورية التي تُتهم بأنّها “لا مع الحريري بخير ولا مع ميقاتي بخير”، فتحمّل كلّ مسؤولية التعطيل وبالتالي البركان الشعبي.
فجأة لم تعد وزارة الداخلية مطلباً “وجودياً” للفريق العوني، ولم تعد حقوق المسيحيين ومستقبلهم وقفاً على “مبنى الصنائع” ومعه قرار المداورة، وصار بالإمكان البحث في صيغ توافقية قد تسهم في ولادة الحكومة. أقله، هذا ما يحاول رئيس الحكومة المكلّف تشييعه، ليضرب مواعيد قريبة عن احتمال قيام الحكومة، ولو أنّ بعض عارفيه يجزمون بأنّ هذا المناخ الإيجابي لا يهدف إلا لكسب بعض الوقت لأنّ عقد التأليف الحقيقية لا تزال محلها، وقد تجعل من عملية الولادة الحكومية صعبة جداً. ويشيرون إلى أنّ الانتقال إلى مرحلة اسقاط الأسماء من شأنه أن يكشف حقيقة التعقيدات الحكومية خصوصاً اذا ما طرحت أسماء استفزازية كتلك التي عرضت في مراحل سابقة!
ومع ذلك، يحلو لمن تسنى له التواصل مع رئيس الحكومة، الإشارة إلى أنّ الأخير نجح في الاتفاق مع رئيس الجمهورية على حجب قاعدة المداورة التي كادت تطيح بمحاولات ميقاتي، بحيث تمّ التفاهم على عدم تبديل طوائف الحقائب الأساسية، أي السيادية وتلك المصنفة خدماتية منعاً للبقاء في نفق الخلافات، على أن يجلس الرجلان، أي عون وميقاتي الى طاولة نقاش مشترك لكل الأسماء من خلال طرح سلّة احتمالات لكل حقيبة.
ولهذا خرج رئيس الحكومة المكلف بانطباع جيّد من لقائه الأخير مع رئيس الجمهورية وقام بالاتصال برئيس مجلس النواب نبيه بري لابلاغه بمضمون جلسته مع رئيس الجمهورية، ليبلغه بري بأنّه لن يكون حجر عثرة أمام ولادة الحكومة، المهم انجاز الاتفاق مع رئيس الجمهورية.
وهنا لا بدّ من الإشارة، إلى أنّ هذه الصيغة، بمعنى ترك القديم على قدمه مقابل أن يتشاور عون وميقاتي على كل اسم من خلال تبادل سلّة ترشيحات، هي الصيغة التي قرر على أساسها القطب الطربلسي خوض فرصته في رئاسة الحكومة، وهي التي تحدث عنها منذ اليوم الأول لتسميته. وبالتالي اذا نجحت هذه الصيغة، فما هي الأسباب التي حالت دون ولادة الحكومة بسرعة قياسية؟ ولماذا تفرّج أصحاب القرار على اللبنانيين يتعرضون كل دقيقة للذلّ ولم يبادروا فوراً إلى حسم مصير الحكومة؟ لماذا تضييع الوقت؟