النظام اللبناني يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإن هذه الحال ليست بنت ساعتها، إنما هي وليدة تراكمات منذ ما قبل حرب السنتين وتناسلاتها من حروب عبثية إلى اليوم. وعندما وضعت الحرب أوزارها في مطلع تسعينات القرن العشرين الماضي، ختم الجرح على زغل، لأن انتهاء العمليات العسكرية لم يرافقه كشف الحقيقة حول قضايا لا تزال عالقة حتى اليوم. على سبيل المثال لا الحصر قضية المخطوفين والمفقودين، ويشكل هؤلاء وأولئك رقماً كبيراً جداً بعشرات الآلاف.
ثم أن نظام الترويكا، الذي أعقب الحرب، أطاح المبدأ الأهم في استقامة الحكم وانتظامه وهو مبدأ فصل السلطات… بل أكثر من ذلك صرنا نرى وزراء، تحديداً في غير حكومة برئاسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، جيء بهم قصداً وعمداً ليكونوا معارضين لرئيس الوزراء. وكان هؤلاء يتباهون علناً بالقيام بالدور المكلفين القيام به (…).
ثم بات تشكيل الحكومة لا يمر من دون مشقة كبيرة. وأيضاً الوصول إلى انتخاب رئيس الجمهورية لا يتم إلا بشق النفس، من دون أن يكون النظام (خصوصاً الدستور) قادراً على إيجاد الآلية التي تضع حداً للتأخير القاتل. وتكفي عملية حسابية على التأخيرين، في تأليف الحكومة وانتخاب الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون، ليتبين الوقت الكبير المهدور هباء من عمر الوطن.
ماذا يستطيع الدستور أن يفعل إزاء هذه الثغرات الكبيرة والمؤذية جداً؟
الجواب فوري وسريع وبسيط: لا شيء!
والسؤال الاستطرادي: وماذا عن الثغرات الأخرى؟
والجواب: إنها كثيرة ومن أبرزها الجمع بين النيابة والوزارة… وهذه بدعة مزمنة في لبنان، ولم تعد مقبولة على الإطلاق. إذ المعلوم أن أولى مهام النائب المراقبة، أي أن يراقب أعمال الحكومة والوزراء جماعة وفرادى، وحجب الثقة عنهم. فكيف سيراقب الوزير النائب ذاته، وهل يحجب الثقة عن نفسه؟.
وأيضاً، هل يجوز أن يكون في مقدور وزير، أي وزير، أن يعطل تنفيذ مشروع أو قرار، على صلة بوزارته، ما شاء له من الوقت، حتى ولو كان صادراً عن مجلس الوزراء بالإجماع مثلًا؟
إن مثل هذا النظام لم يعد مسموحاً به وبأمثاله، إذا كان له من مثيل، في أي بلد من البلدان. ولمن يخافون على جوهر دستور الطائف نقول إن ذلك غير مقصود في هذا الكلام.
وأما اللامركزية الإدارية الموسعة فهي شأن آخر.