الحكومة للخطابات… والدولار يتنمرد
سقطت الحكومة بفخ الخطابات الرنانة، غابت الخطط التنموية وفكرة “استقرار الدولار”عن بالها، بقي يتأرجح صعوداً، مثل الاسعار التي تشهد فوضى عارمة، فيما الانتاجية تغيب، ما ادّى الى انهيار كلّي. فالشوارع الخالية من المارة وحركة السيارات ليست بفِعل اقفال المحطات وإن ما زال 60 بالمئة منها مقفلاً، إنما بفعل ارتفاع سعر تنكة البنزين وكلفة النقل. الناس فضّلت التقنين حتى بتنقّلاتها، ونقمة “شوفرية” التاكسي بدأت تخرج، الركاب اختفوا، بالكاد تجد واحداً مضطراً للانتقال من النبطية بإتجاه صيدا او ضواحيها، فالازمة اليوم اخطر من سابقاتها، رغم الانفراج النسبي على خط البنزين.
غير ان المازوت مفقود، وهنا الكارثة، فكل القطاعات مرتبطة به، من الافران الى المطاعم والاشتراكات، الخضار والدجاج وحتى اللحوم والنقل، والاخير العلّة الكبرى، اذ تتوقف حركة نقل البضائع بين النبطية وبيروت نظراً لارتفاع كلفتها ما ادى الى شح المواد التموينية وارتفاع الاسعار، لا سيما أسعار الخضار والفاكهة. فالبندورة سجلت 13 الف ليرة للكيلو، والخيار قفز فوق الـ15 الف ليرة، أما البطاطا طعام الفقير فوصل ثمن الكرتونة منه الى140 الف ليرة، ما انعكس ايضاً على كل شيء.
حتى ان الذهاب لطبيب الاسنان بات يحتاج ميزانية عالية جداً والدفع بالدولار و”كاش”، ويعيد الأطباء السبب الى اضطرارهم لشراء المستلزمات من السوق السوداء. هذا ناهيك عن تأرجح الدولار وغياب الدعم المطلوب.
وفق احد الاطباء “الدولة دعمت البنج لاسبوع فقط ثم اختفى الدعم، ما يضطرنا للشراء من السوق السوداء، كلفة تصليح الضرس مئة دولار كحد ادنى”. ماذا لو اصيب اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة؟ هنا الكارثة، ولكن الموجوع لا بد له من اختبار وجع الاسعار، رغم تأكيد الأطباء ان الكل بات يعلم ان الشغل هذه الايام وفق الدولار الاسود، والاكثر تأثراً هم موظفو القطاع العام ومن يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، علماً أن الاطباء يؤكدون انخفاض كلفة صيانة الاسنان الى النصف تقريباً، غير انها ارتفعت “عَ اللبناني”.
صحيح ان حركة المرضى تراجعت داخل عيادة طب الاسنان، غير ان الأطباء يجزمون بأنهم يحققون ارباحاً فرق العملة، ما يجعلهم يصمدون في خضم الازمة، خلافاً لأطباء الامراض النسائية، فهؤلاء يخسرون سيما من الأمم التي ترعى النازحين السوريين، الخسارة ليست من علاجهن، على العكس، فالدفع وفق الطبيب النسائي حسن يتم بالدولار الفريش، غير ان السرقة تأتي من المصرف الذي يدفع المبلغ شيكاً، ما يعني خسارة 90 بالمئة من قيمته، ويشير أنه تلقى حسابه من unhcr كاملا بقيمة 4500 دولار لقاء توليد 30 امرأة سورية، غير ان المصرف صرفه شيكاً، ما اضطر لبيعه بـ1000 دولار.
المفارقة بين طبيب الاسنان والامراض النسائية ان الاول يتقاضى بدل اتعابه بالدولار او ما يوازيه والثاني بالليرة اللبنانية مع رفع كلفة المعاينة الى الـ150 ألف ليرة وهناك من يفرض 200 و300 الف ليرة لتعويض خسارة العملة. وحده المواطن يدفع الثمن، فكل شيء حوله ارتفع، بل يواصل ارتفاعه الا قيمة اللبناني “بالارض”، تعلّق احدى السيدات التي اضطرت لعلاج اسنانها فطلب الطبيب تركيب اسنان كلفتها 450 دولاراً نقداً، وهو امر صعب هذه الايام، “ولكن المضطر يستدين”.
كان المواطن يعول على انخفاض الدولار ليتنفس الصعداء لكنه بقي رهينة الغلاء، حتى مونة الشتاء عجز عن اعدادها لارتفاع اكلافها، سواء كلفة الكشك البلدي التي تحتاج ميزانية مليون ونصف او الملوخية التي تجاوز سعرها الـ150 الفاً بعدما كان 50 الفاً أو الحبوب على أنواعها، ما يعني ان ما ينتظره مع بداية الشتاء كارثي. فالحكومة همّها اجراء انتخابات، وآخر همّها اجراء اصلاحات سريعة اقلّه وقف لعبة الدولار والسوق السوداء. الاخير يبدو سيشهد فورة جديدة بعد رفع الدعم كلياً في سوريا وارتفاع اسعار المحروقات كثيراً، ما سيؤدي حتماً الى مزيد من الازمات قد تبدأ بالبنزين ولا تنتهي بالخضار، فهمّ التاجر جيبه وآخر همّه “شو بياكل اللبناني”، الذي يتحضّر لصدمة فاتورة الاشتراك المتوقعة ان تكون اضعافاً مضاعفة. فهل تفعلها الحكومة وتثبّت الدولار ليرتاح الناس، ام ستُبقي البلد فلتاناً بانتظار الانتخابات؟