ربما تثير “المعركة” الناشبة حديثاً بين اصحاب شبكات كابلات البث التلفزيوني والمحطات التلفزيونية اللبنانية على حقوق البث اللبنانيين اكثر بكثير مما يعنيهم الصراع المستحكم بين القوى السياسية على جلسات “تشريع الضرورة” لفرط القنوط واليأس من مجريات الازمات السياسية المتناسلة منذ حلول الفراغ الرئاسي المشارف سنته الاولى بعد أسابيع. وهو امر جدير بالتوقف عنده لمعاينة خطورة فقدان الاستشعار السياسي حيال تحلل بات يضرب سائر نواحي الواقع الاجتماعي والاقتصادي منذراً بانهيارات تسلسلية لن تقف عند حدود، في وقت فقد معه الطاقم السياسي برمته أي قدرة على تحريك الاهتمامات الشعبية بفعل تآكل الثقة به من جهة والاستسلام لتداعيات عجز هذا الطاقم من جهة اخرى.
لعل ما نخشاه في تصاعد مأزق التشريع خلال شهر أيار الحالي هو ان تضعنا القوى السياسية أمام شعار صراع بين “حقين دستوريين” متصادمين لكل منهما أدبياته ومبرراته واسناداته، في حين ان الخلاصة والنتائج آيلة حكماً الى تراكم هائل في الخسائر.
في زعم “الحق الاول” لا يحتاج انعقاد مجلس النواب في جلسات متعاقبة للتشريع، سواء سمي تشريع الضرورة أو خلافه، الى أي تبرير أو توسل أو تسويات خصوصاً مع تراكم ملفات وقضايا تضغط على الدورة الاقتصادية والاجتماعية والمالية ضغطاً قاتلاً، فكيف بخطر خسارة لبنان قروضاً دولية بمئات ملايين الدولارات هو أحوج ما يكون اليها في تعاسته العارمة الراهنة.
أما في زعم “الحق الثاني” فلا يمكن تجاهل الاعتمالات المتصاعدة لدى الكتل المسيحية المتحفظة أو الرافضة لانعقاد اوتوماتيكي لجلسات التشريع “على الطلب” بعد طول استهانة بالاستحقاق الرئاسي ومعطليه ولو كان بين المنضمين حديثاً الى تعطيل جلسات التشريع من يصنفون رأس الحربة في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. ومهما شاب هذه الظاهرة من نفور وازدواجية لدى هذه الفئة المسيحية تحديداً دون سواها، ثمة واقع مسيحي عام بات على مشارف الذكرى السنوية لفراغ ٢٥ أيار أشبه بالقنفذ الذي يطلق اشواكه ومسلاته الجارحة في كل الاتجاهات.
ولكن هل تتحمل البلاد ترف توزيع الحقوق السياسية فيما تترنح كل القطاعات، وبدءاً هذه المرة بالاعلام والصحافة بعد القطاعات الانتاجية والاقتصادية والزراعية والخدماتية والسياحية في اوسع انذار لخطر الانهيارات؟ لا حاجة الى ايراد لوائح القطاعات الآخذة بالانهيارات المتدحرجة وما تعنيه تداعياتها المقبلة سريعاً في البلد الاكبر مديونية في العالم ربما عبر معادلة “القلة التي تولّد النقار” اجتماعياً وسياسياً وأمنياً. ولا نثير الامر طبعاً من زاوية تحفيز “حس الحكمة” لدى القوى السياسية، وانما هو جرس إنذار بكل المعايير حيال رعب آت لن يبقى معه أي حيز مزعوم لترف الصراع بين رافعي رايات الحقوق المزعومة.