Site icon IMLebanon

الليرة تنهار والعلاج مسكّنات منتهية الصلاحية

 

التضخّم يفلت من عقاله ويتّجه صعوداً متجاوزاً عتبة 363 في المئة

 

 

إحتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً في معدلات التضخم بحسب أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة “جونز هوبكنز”، ستيف هانكي Steve H. Hanke بعد كل من فنزويلا وزيمبابوي. هانكي الذي يعتمد مقياساً عالي الدقة، رأى أن نسبة التضخم في لبنان تبلغ 363 في المئة عند سعر صرف 7000 ليرة مقابل الدولار.

 

الخطورة لا تنحصر في التغيّرات الهائلة والسريعة في نسبة التضخم، إنما في العجز عن التنبؤ بمدته وحجمه المستقبلي. حيث يُخشى ان يؤدي تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتجاوز معدلات التضخم 1000 في المئة. وبالتالي يفقد لبنان الأمل الوحيد المتبقي للسيطرة على التضخم الجامح من خلال تأمين “جرعة دولارية”، تساهم في إعادة التوازن إلى الحساب الجاري. فالعجز الهائل في هذا الميزان والذي بلغت نسبته في العام الماضي، بحسب المستثمر في الاسواق الناشئة صائب الزين، 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي “يعتبر هائلاً وهو يتجاوز بأضعاف مضاعفة المعدلات العالمية التي يجب أن تبقى بحدود 3 في المئة”. وبالتالي فإن تأمين الاستقرار لسعر الصرف يفرض علينا تخفيض هذا العجز من 11 مليار دولار إلى حدود المليار، إذا اعتبرنا ان الناتج المحلي أصبح 30 مليار دولار. أما الابقاء على نسب عجز مرتفعة في الحساب الجاري، حتى ولو انخفض هذا العجز تلقائياً إلى 5 مليارات دولار بسبب تراجع الاستيراد، فان الاقتصاد سيعجز عن تمويله بعد تراجع التحويلات الخارجية والاستثمارات الاجنبية المباشرة، وفقدان المدخول من العملة الصعبة في القطاعات السياحية والخدماتية التقليدية.

 

“مصيبة” سعر الصرف

 

ببساطة فإنه من دون تدفق العملة الصعبة إلى الداخل، بمعدل أعلى من الذي تخرج منه، فإن الطلب على الدولار سيستمر بالارتفاع وسط ندرة له تزداد يومياً. وكل الاجراءات التقنية التي يتخذها المركزي والمتمثلة بضخ نحو 8 ملايين دولار يومياً للصرافين من الفئة (أ) لتباع على سعر صرف 3900 ليرة، تصطدم بارتفاع الطلب وبطء الآلية وعدم فعاليتها. الامر الذي ترك التجار عاجزين عن الاستفادة من هذا الدعم غير المباشر واضطرارهم لتأمين الدولار من السوق السوداء، على سعر صرف تجاوز نهار السبت الفائت الـ 7800 ليرة للشراء. فـ “انهيار سعر الصرف بمقدار الضعف خلال فترة أسبوعين وهبوطه من 4200 ليرة إلى حدود 8 آلاف ليرة شكل “مصيبة” فعلية”، يقول نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان د. نبيل فهد. و”المشكلة الأكبر انه لا أحد يستطيع السيطرة على سوق الصرف بالطرق البوليسية، إنما بآليات اقتصادية فعلية لم تنضج بعد”.

 

في هذا الوقت يعتبر فهد ان “نتائج دعم 30 منتجاً غذائياً من حبوب، سكر، رز، طحين وبعض المواد الغذائية الأخرى بدأت تظهر في الأسواق.

 

وقد بدأ فعلاً المستهلكون يشعرون بانخفاض في الاسـعار بنسبة تراوحت بين 25 و30 في المئة، خصوصاً ان هذه السلع قد جرى تمويل شرائها على سعر 3200 ليرة في الوقت الذي كانت فيه قبل اسبوعين على سعر 4200 ليرة”. هذه الخطوة إذا أضيفت إلى المنصة الإلكترونية التي أطلقها مصرف لبنان وبدء عملية ضخ الدولار عبر الصرافين والمصارف ستساهم “بمزيد من انخفاض الاسعار”، من وجهة نظر فهد. “شرط ان تتم بشفافية وبطريقة عملية تسمح لكل تجار المواد الغذائية بأن يحصلوا على الدولار بسعر 3900 بطريقة مستدامة. وبهذه العملية نكون قد سحبنا من التداول بين 70 إلى 80 في المئة من طلب السوق الذي يتركز اليوم بشكل اساسي على شراء المواد الغذائية. وبالتالي تخفيف الضغط عن طلب الدولار. وبدء تراجع سعر الصرف في السوق السوداء، في حال بقي عرض الدولار”.

 

إستنزاف الاحتياطي مستمر

 

التمويل الاستهلاكي مما تبقى من احتياطي عملات أجنبية في مصرف لبنان، يتوسع يوماً بعد آخر. وجديده طلب تمويل شراء 200 سلعة إضافية بآلية جديدة تقضي بتخفيض الدعم على المشتقات النفطية وتوزيعه على أنواع أخرى من السلع. سياسة الدعم المتبعة في ظل انسداد الافق تعتبر “سيفاً ذا حدين”. فهي وإن ساهمت موقتاً في انخفاض الاسعار نسبياً ودعم القدرة الشرائية للمستهلكين، فسوف تؤدي في المستقبل القريب إلى انفجار تضخمي بعد نفاد الاحتياطي وعدم التوصل إلى تنفيذ الاصلاحات المرجوة. إذ ان آليات الدعم المعتمدة لا تتعدى كونها “إبرة بنج” لفترة محدودة”، يقول فهد. الإصلاحات ثم الإصلاحات

 

“تخفيض عجز الموازنة أولاً، والتشدد في سياسة مصرف لبنان لجهة وقف طباعة العملة والحد من توسع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية”، يعتبران، برأي الزين، “شرطين أساسيين رغم صعوبتهما للحد من تدهور سعر صرف العملة وتأمين استقرارها. وهو ما لن يتحقق إلا عبر النجاح في الوصول الى فائض في ميزان المدفوعات”. فيما التوصل إلى مثل هذا الفائض المرجو يتطلب من الناحية الاقتصادية زيادة الصادرات عن الواردات وارتفاع معدل التدفقات الداخلة عن الخارجة. وهما شرطان من الصعب أن يحققهما لبنان، أقله في الوقت الراهن. لذا لا يبقى أمامنا لكسر السقوط الحر إلا “تحقيق الاصلاحات والدخول في اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي، يعطينا نحو 4 سنوات لاعادة تقويم الاقتصاد”، يقول الزين.

 

من دون آلية تمويل صندوق النقد الدولي فإن الطلب على الدولار سيستمر بالتصاعد. وقد يفوق سعره نتيجة الهلع وانعدام الثقة المعدل الطبيعي الذي يجب ان يقف عنده. ونكون قد دخلنا في دوامة لا تنتهي من ارتفاع الاسعار والتضخم.