Site icon IMLebanon

أيها الزملاء، لبنان أكبر من الابتذال

تردّدت كثيراً قبل كتابة هذا المقال، باعتبار أن البعض لن يتقبل انتقاد زملاء أو مهنة ننتمي اليها. وفي لبنان الطبيب يدافع عن الطبيب ولو أخطأ، والنائب يدافع عن الزعيم ولو انحرف. لكن لا، اسمحوا لنا اليوم أن نقول الاشياء كما هي: مهنة الصحافة ليست مهنة يختارها البعض للمكسب المالي أولاً، لأننا كلنا نعلم أنها ليست مهنة جني الأرباح المالية بامتياز أو للإثارة الفارغة، وأنها مهنة يجب أن يكون من اختارها شغوفاً بها لانها مهنة المتاعب والمصاعب.

اليوم، عندما اختارت مؤسسة جبران تويني أن تنظم الذكرى العاشرة تحية صحافية لجبران، اختارت صحافيين أجانب من وسائل إعلامية عريقة، وفوجئنا بايجابياتهم ومهنيتهم واستعدادهم أن يأتوا ليشهدوا لصحافي استشهد، بدافع ذاتي منهم ليشهدوا للعراقة المهنية والحريات.

في لبنان الوطن الذي أحبه جبران حتى الشهادة، وفي لبنان الوطن الذي اختار جبران أن يتضامن مع كل وسيلة اعلامية فيه عندما كانت تتعرض لتهديد او تمر بصعوبات. في هذا الوطن نعيش اليوم كرهاً لا شبيه له، حتى بين الاعلاميين الذين يجب أن يكونوا مثالاً للرقي والحوار والتفاهم ! حتى هذه المهنة التي يفترض أن تنشر الثقافة والوعي لا يمكن ان ننكر تكاثر شوائب فيها تعتمد الرخص والابتذال لجذب المواطن مهما كلف الامر.

في بعض الإعلام عندنا تكبر التجاوزات المهنية فيتحول البحث عن الحقائق تحريضاً على الكراهية والاحقاد، مع أن الفرق كبير جداً بين فضح الفساد والفاسدين وكشف التلاعب بالمال العام مثلاً، وتصفية الحسابات السياسية لمصالح خاصة. كما أن المبالغة واضحة في اعتماد أساليب الاثارة بضرب صورة لبنان، والتسابق على التركيز على كل شيء بشع، وطمس كل شيء جميل، وكل ما يبرز حضارة اللبنانيين.

ومن جهة أخرى هناك إعلام يروّج لبصّارين يتلاعبون بالناس البسطاء ويتكهنون عن حياة الناس، من دون احترام لمشاعرهم أو لمشاعر عائلاتهم. إعلام أصبح الخبر العاجل فيه “تابعوا تحضير ارواح” على الهواء مباشرة. وإعلام أصبح ينشر أي شيء لجذب الجماهير، ولو على حساب انحطاط يهدّد المبادئ المهنية. فكيف يمكن هذا الإعلام أن يحاسب ويغيّر ويثقف؟ دور الاعلام أساسي للتغيير، والاعلام الذي يزعم أنه يريد التغيير، يجب أن يكون مهنياً ومسؤولاً كالإعلام الفرنسي، الذي أثبت في مجزرة إرهابية مدى رقيّه ومسؤوليته، وتحلّى مراسلوه بإعطاء المعلومات من دون التجييش أو إعطاء رأيهم الشخصي. كان إعلاماً يليق بدولة حضارية. أما إعلامنا فلا يليق ببعضه أن يصبح كإعلام العالم الثالث، حيث تفتقد المهنية الإعلامية والصحافية تماماً، ولا يحترم المخطوفون أو الشهداء أو مسرح الجريمة. طبعاً نحن لا نعمّم، إذ تبقى أمثلة كثيرة تكافح للحفاظ على مستوى مهني مرموق، لكن هذه المهمة أصبحت صعبة في ظل طغيان الشوائب السلبية.