Site icon IMLebanon

تصادم أولويات.. والموازنة أولوية «حزب الله»!

 

السؤال الحارق: هل دفنت التسوية؟

صبيحة عيد الفطر السعيد 4 حزيران: اعتداء مجرم، في الشهباء العظيمة، يذهب ضحيته ضابط من ضباط الجيش اللبناني، وجندي وعنصران من قوى الأمن الداخلي، ترتعد المدينة، ينخض البلد، يزيد الانقسام..

 

صبيحة عيد الفطر السعيد، يعيّد اللبنانيون، على وجبة جديدة، من وجبات التراشق الكلامي بين تيارين شريكين، في تسوية، كان يؤمل منها الكثير، على خلفية حكم صادر عن المحكمة العسكرية، يتعلق بقضية المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، والمقرصن ايلي غبش (القضية معروفة).

 

صبيحة العيد، يقوى المرض العضال، على جسد الأم الرؤومة، فتعود روحها إلى باريها «راضية مرضية».. كل شيء في الأفق، أسود، على الرغم من اننا كنا فرحين جداً، ونحن نشاهد العصافير السود (من بجع وغراب وشحرور) تعود إلى الأرض الطيّبة، في كل لبنان، مع تراجع نسبي لهمجية الصيد، والصيادين، الذين يبحثون عن عصفور يغنيهم شر الجوع! (يا ويلتاه).

 

لاحت، في رأسي، تحت شمس حزيران الحارقة، ونحن ندفن الوالدة، في جوار أحبتها (أبي، وأخي، وجدي وجدتي وسائر أبناء القرية الصغيرة) أسئلة تطرد أسئلة، هي اشبه برؤى أو أحلام يقظة، أو أحلام، في حضرة الموت (والنبي كان يردد النوم أخ الموت) هل ماتت التسوية الرئاسية، وماذا عسانا فاعلون؟

 

هل يحتمل هذا البلد الصغير نوبات «صرع سياسي» جديدة، وفي البحر شركات النفط والغاز تستعد لاقتناص الثروة الوطنية المدفونة، وعلى مرمى احجار قريبة أو بعيدة في الشرق والغرب، وعلى الحدود عدو ينتظر الفرصة «للثأر والانتقام»؟

 

توسع التراشق الداخلي، ها هو وليد جنبلاط، أحد أبرز حلفاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ينقض على «التيار الأزرق» الذي اسسه، ويقف على رأسه نجله الرئيس سعد الحريري، وهو رئيس مجلس الوزراء، الذي ذهب إلى الخارج لتمضية العيد السعيد، مع اسرته، بعد ما يقرب من 20 جلسة للحكومة، انتهت بإقرار موازنة العام 2019، واحالتها إلى المجلس النيابي، الذي ذهب رئيسه في زيارة مماثلة، قبل ان يعود إلى «المعسكر» المنهك، اعني ساحة النجمة، وساحة المطالب والمخالب والمثالب، مع أزمة اقتصادية آخذة بالاتساع، على الرغم من الوعود، وما أدراك ما الوعود، التي صارت «عرقوبية»! (نسبة إلى عرقوب المرأة التي كانت تكثر من المواعيد، ولا تلتزم بموعد واحد منها).

 

من مشكلة مع محافظ جبل لبنان، المحسوب على تيّار المستقبل، يوسّع جنبلاط هجومه «التويتري».. ليصيب «التيار البرتقالي» أي تيّار الرئيس ميشال عون، الذي يقف على رأسه الوزير جبران باسيل (الوزير السيادي بتعبير جنبلاط)، ومن هناك، يخرج بنتيجة (آمل الا يتراجع عنها) ان «كل ما يجري داخل في التسوية المشؤومة» (للتذكير فقط كنا وما زلنا نطلق على وعد بلفور، الذي ذهب بفلسطين، الوعد المشؤوم).. ثم يتساءل عن هدم منازل النازحين السوريين في عرسال ودير الأحمر، وعن نظريات الوزير السيادي (أي باسيل نفسه) العنصرية..

 

لم تعد مناخات التراشق الكلامي، الذي يُخفي ما في الصدور (صدور أهل التسويات وكلهم أهل التسوية) هي ما تقض مضاجع اللبنانيين، بات الأمر عادياً، أو مألوفاً، فمن خصائص السياسة في لبنان، بل ما بعد مناخات التراشق؟ وسط عالم عربي، تلتهب «أرض الثروات» فيه دقيقة بدقيقة، منها هو «الكاوبوي» الأميركي، يبحث عن جمع كل ثروات الأرض، وليس من المهم عنده الطريقة ليضعها في مصارفه، ويحسّن رفاهية شعبه، ولو مات الآخرون، ولو فقر الآخرون..

 

من أرض السودان (اهراءات الذرة لطعام افريقيا وبلاد العرب) إلى ليبيا (النفط، وثورة عمر المختار، والمدى الحيوي لعمالة العرب والمسلمين)، إلى سوريا (قلب العروبة النابض) إلى أرض الحرمين (المعرضة للمخاطر ونهب ثرواتها) إلى العراق (الجريح، المهدد بالانقسام الحقيقي)، إلى فلسطين السليبة، التي لم تكفها الحروب، والنكسات، واللجوء، فأعدوا لها صفقة القرن، تحضيراً لمجازر أو مذابح جديدة؟!.. كل شيء تحت النار والدمار..

 

في المشهد، هذا الملتهب، الآخذ بالاشتعال: يستأنف لبنان الرسمي نشاطه، وتعود الحركة من ساحة الموازنة مع لجنة المال النيابية، إلى ساحة القضاء والتحقيقات، إلى ساحة تعليق الاضرابات، إلى ملاحقة الفساد، والبحث عن الجهة التي صدّرت، وسهّلت وصول الأرز البسمتي إلى لبنان، ولو لم ينزل إلى الأسواق، ليأكل منه اللبنانيون مع اطفالهم، مرض «السرطنة».. ولكن من أين الولوج إلى المعالجات؟

 

بالطبع، لا أحد بإمكانه التسليم الا بأن «التسوية السياسية» ماتت، ولكن موتها لا يعني التسليم المبكر بدفنها، لا بدّ من «مرحلة رمادية» تحوّل التصعيد إلى تهدئة، وتحوّل المناكفات إلى اتصالات، وتعيد الروح إلى ورشة «العمل» لسحب ذرائع «الثقة المفقودة» وآثارها المدمرة، على المجتمع والاستقرار..

 

وعليه، فالثابت الكامن في لعبة «عض الأصابع» الجارية، ان الأحزاب والتيارات والكتل النيابية المؤتلفة في حكومة، تكاد حركتها تختصر بوزير من هنا، ووزير من هناك، وفقاً للأحداث الجارية، والتي تارة يتقدّم فيها الأمني على السياسي، أو الاقتصادي على المطلبي، أو الفساد على الهدر، وتبذير المال العام.. ليس بإمكانها تجاوز الخطوط الحمر، وإن كان غياب الدولة عن مسرح المعالجة، يبقي الرهان عليها، وعلى مؤسساتها المخرج لمعالجة ملف انقسامي من هنا، وآخر اتهامي من هناك، وثالث انتظاري عند منتصف المصالح المتلاقية أو المتضاربة..

 

من ثابتة، عدم دفن التسوية، ولو كان مندوم عليها، أو منحوسة، أو مشؤومة، الى ثابتة احياء عمل الحكومة، الذي انهكته مجادلات باسيل والوزراء الذين تعهدوا بالاستقالة معه، بعد 100 يوم إلى ثابتة أهم، وأثبت، وأكثر ملحاحية، وهي تتعلق بإقرار الموازنة..

 

إن إقرار الموازنة، وفقاً للمعلومات، القوية المصدر، تتصدر أولوية الأطراف الأكثر تأثيراً في المعادلة الداخلية: الحريري وتياره، برّي وكتلته وحركته، حزب الله ونوابه ووزراؤه، التيار الوطني الحر، من الرئيس المؤسس إلى الرئيس العملي، فضلاً عن الكتل الأخرى من الحزب الاشتراكي إلى «القوات اللبنانية» وسائر القوى الممثلة في الحكومة..

 

وفي ظل هذه النيّات، المعلن منها، أو المتواري وراء السياسات المعتمدة، سيعلن عن تخفيض أو الحد من الحركة المطلبية.. سواء عودة القضاة عن الاعتكاف، وعودة الأساتذة إلى صفوف التدريس، والاشراف، وإنجاز الامتحانات وتخريج الطلاب، فيما الحركة النقابية، غائبة اصلاً على خلفية، تباينات، وخلافات تعصف بالاتحاد العمالي، بعد استقالة رئيسه نتيجة الزلة المعروفة..

 

ومن الممكن سحب السجالات، من الأجواء، للتخفيف من سمومها، أو ابقائها تحت السيطرة على ان يتم «الفصل الاصطناعي» بين الدولة ومكوناتها فتكون العلاقة بين عون والحريري قائمة، ومستمرة، حتى لو استمر السجال بين التيارين، وكذا مع المكوّنات الأخرى..

 

تتباين مكونات الحكومة في النظرة إلى الأولويات المطروحة على الساحة: إقرار الموازنة، اجراء التعيينات، محاربة الفساد، ترسيم الحدود، النزوح السوري، مواجهة التوطين، مهرجانات الصيف، انتظار المصطافين إلخ..

 

فعند التيار الوطني الحر، مواجهة النزوح السوري أولوية ثم ملف التوظيف أولوية ثانية، ثم إعادة النظر بالمواقع والمناصب أولوية ثالثة..

 

وعند تيّار المستقبل، الأولوية الأولى إعادة التوازن إلى السلطة، تطبيق الطائف.. الدستور، ثم الموازنة، من باب «إنعاش» الاقتصاد، وتوفير الفرصة للحصول على أموال «سيدر»..

 

والسؤال: ماذا عن موقف حزب الله؟

 

في حدود المعلومات المؤكدة، أن الأولوية لدى حزب الله، هي للموازنة.. لعب الحزب دوراً حاسماً في اخراجها من مجلس الوزراء.. مارس «التقية» (بالمعنى الايجابي) لتمرير الموازنة رغم النقائص التي تحتوي عليها، أو اعترتها.. وقرّر نصب كمائن، نيابية في ساحة النجمة، لمنع تحميل ذوي الدخل المحدود أعباء مالية إضافية..

 

ومن زاوية تشخيصه الدقيق لمسار الوضع اللبناني، ومنعه من الانحدار إلى «الشلل التام» اعتبر الموازنة هي قوام العمل الحكومي والرسمي للدولة، فبدونها لا قدرة على مواجهة تفلت الانفاق، ورصد أبواب التبذير، ورصد امكانات مكافحة الفساد، الذي هو أحد أبرز مهام الحزب، الذي خصص له أمينه العام أكثر من مقطع في خطاباته خلال الأشهر الأولى من السنة الحالية..

 

هكذا، الرهان، يبقى قائماً على وحدة السلطة التنفيذية، على الرغم من الوهن الذي اصابها، باعتبارها نموذجاً للحكم، بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط!

 

في الخلفية، يقف الحارس لملتقى «التواصل اللبناني» الرئيس نبيه برّي، ليقود معركة إقرار الموازنة، في المجلس النيابي، إذا امكن قبل العطلة النيابية في آب، من دون إلحاق ضرر، بتفاهمات «سيدر» في شقه التأسيسي أو التنفيذي..

 

كل ذلك من دون إغفال، احتمالات الغدر الإقليمي أو الإسرائيلي أو الدولي بصيف لبنان الواعد؟!