تزعم أبواق «حزب الله« منذ عشر سنوات أن تنظيماً من فصيلة «داعش» قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لا غرابة في الأمر، فحين يحتاج العقل الأمني لقوى «8 آذار» وحلفائه الإقليميين الى عدو تلصق به تهمة إغتيال الحريري، يذهب مباشرة الى النقيض الطبيعي لرفيق الحريري:»التكفيريون». طرأ تعديل على الخطة في السنوات الـ5 الأخيرة. باتت أبواق «حزب الله« تعمل على شيطنة بيئة الحريري وامتداداتها الطبيعية في سوريا والعراق وباقي المنطقة. لا عجب في ذلك أيضاً، فعندما يحتاج «حزب الله« وايران الى تفويض دولي لمحاربة الإرهاب مقابل النفوذ، يذهب هذا المحور الى حدّ وصف كافة المناهضين له بـ»الدواعش». أما ميشال عون، فلا يظن أنه يعاني عمى ألوان حين يرى سواد «داعش» باللون الأزرق.
ما المشتركات التي يراها عون بين تيار «المستقبل« و«داعش«؟
تيار «المستقبل« ليس حزباً سنيّاً، لا سيّما على مستوى النُخب والصف القيادي. وليس سراً أن كثراً في الشارع يأخذون على التيار الأزرق مواقفه التي تُقدّم المصلحة العامة على الحميّة الطائفية. ليس سراً ان شارع «المستقبل» تفاعل مع أحداث أمنية كثيرة بعكس ما أرادت «القيادة». يوم أحداث «عبرا»، نُشرت مئات الصور والفيديوات، تُظهر عناصر من «حزب الله«، برباطٍ أصفر على الزند، تشارك في المعركة الى جانب الجيش. في بيئة ترى «إبن جلدتها» يُذبح في سهل نينوى والموصل في العراق كما على كامل مساحة سوريا، يصعب أن يلاقي الجيش اللبناني دعماً منها. فكيف اذا كان «حزب الله« مشاركاً في المعركة؟ يومها عارض الرئيس سعد الحريري «شارعه»، وأثنى على دور الجيش، على الرغم من موقف جمهوره الذي يعاني الشعور بـ»القهر». وفي أحداث عرسال الأولى، وقف الحريري إلى جانب الجيش اللبناني، بينما كان جمهوره يرى بأم العين كيف كانت مدفعية «حزب الله« تدكّ أحياء داخل عرسال كما جرودها. لم يكن سهلاً على سعد الحريري يومها ان يقف بوجه الاصوات المتصاعدة داخل بيئته. حتى أنه خرج في احدى المقابلات التلفزيونية ليؤكّد ان «الشعبية ليست أهم شي». لم يكن سهلاً على الحريري ان يتحدّث عن أهمية بناء الدولة وجيشها، بينما جمهوره يسمع صراخ أحدهم يتحدّث بمذهبية عن ان «شيعة علي بن ابي طالب لن تتخلى عن فلسطين»، وآخر «لا شغلة ولا عملة« لديه سوى المتاجرة بـ»حقوق المسيحيين». يحق للجمهور الأزرق ان يتساءل لماذا يكون ملكاً أكثر من الملوك؟ لماذا يحافظ على الدولة بينما آخرون لا يخجلون من الدفاع عن مذاهبهم وطوائفهم؟ وبعد ذلك كلّه يخرج من يتّهم التيار الأزرق بـ»التكفير»؟
يذرف الجنرال الدموع كلما تذكّر شهداء الجيش، بحسب النائبين نبيل نقولا وزياد أسود. لكن لا مشكلة لصاحب هذه الدموع في التحالف مع «جيش« حزبي أقوى من جيش الدولة. لا بأس، سيخرج من يقول ان الجنرال مقاوم أباً عن جد، وحيث تكون المقاومة يكون. لكن لماذا وضعت هذه المقاومة خطوطاً حمراً بوجه الجيش اللبناني وحربه على الارهاب في مخيّم نهر البارد؟ لماذا طالب نصرالله بمحاسبة الجيش اللبناني على أحداث مار مخايل.. يوم قال« إنّ الثقة بالجيش مرهونة بتحقيق حازم في احداث مار مخايل». يومها سارعت المحكمة العسكرية الى اصدار أحكام بحق 68 عسكرياً بينهم 3 ضُبّاط. لماذا قتل «حزب الله« النقيب الطيّار سامر حنا؟ يومها، خرج محمد علي خليفة، عضو لجنة الارتباط والتنسيق بين الحزب والجيش اللبناني، ليُبرّر القتل قائلا انه «لم يكن مسموحاً للجيش الهبوط في منطقة سجد»! هل هذا يعني ان طوافات الجيش تحتاج الى موافقة من حزب لبناني للهبوط على ارض لبنانية؟. فليضع «حزب الله« بالتوافق مع حليفه البرتقالي، المتباكي على الجيش، خارطة جغرافية لتكون المؤسسة العسكرية على علم بالمناطق المسموح الهبوط فيها. فليسأل الجنرال حليفه «الإلهي« لماذا فاوض ما يسميّهم «الارهابيين» بهدف تبادل الاسرى بين الطرفين، بينما حرّم على الحكومة اللبنانية التفاوض مع هؤلاء لاطلاق سراح العسكريين اللبنانيين المخطوفين؟. لكن يبدو ان «وثيقة مار مخايل» تعلو على الجيش والدولة ولا يعلو عليها.
في خضمّ معركة عرسال، والانتقادات التي وجّهها جمهور «المستقبل« للمؤسسة العسكرية، على اعتبار انها تحارب «ما يسمّى الارهاب» في مناطق نفوذ الحريري حصراً، دون توجيه كلمة الى «حزب الله« الذي محا الحدود متوجّهاً الى سوريا، أو لجمهوره الذي يخزّن السلاح في اطار معادلة «الشعب والجيش والمقاومة»، خرج الرئيسان ميشال سليمان وسعد الحريري ليعلنا عن هبة الـ3 مليارات دولار السعودية لتسليح الجيش اللبناني. نعم هي نفسها السعودية التي اتّهمها حليف الجنرال برعاية الارهاب. لماذا لم تدعم ايران، راعية «الاسلام الراقي»، كما تقول «الممانعة»، الجيش اللبناني؟ حسناً، سيخرج من يقول ان واشنطن حظرت على الدولة اللبنانية قبول الهبة الايرانية للجيش. لكن ماذا تضمّنت لائحة الهبة الايرانية؟ عرض علي شمخاني، الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني، هبة ايرانية تتضمّن مناظير ليلية ومدافع هاون وذخائر دبابات ورشاشات دوشكا! هل هذه هي الهبة التي هلّل لها عون ومحور المقاومة؟ إذا كان «حزب الله« وعون جادّين في دعم الجيش، فلماذا لم يوافقا على إعلان بيروت وطرابلس مدينتين منزوعتي من السلاح المتفلّت، ولماذا لم يطالبا ايران بتسليح لبنان بصواريخ زلزال ورعد وبرق وريح؟
يمكن اختصار مشهدية الرابية اليوم على الشكل التالي : يطلق عون صفة «الدواعش» على تيار «المستقبل« والدول العربية الداعمة للجيوش العربية، ويطلب الحماية من «حزب الله« وايران اللذين عملا على نسف الجيوش العربية لصالح ميليشيات مذهبية. لا عجب في ذلك. فحال الجنرال اصبح كحال حليفه الإلهي، يشيطن كل من يقول له «لا». الـ»لا» في القاموس الممانع ترادف «التكفير». لم يعد من أهمية للتساؤل عما يرى الجنرال من مشتركات بين «المستقبل« و«داعش«، خاصة بعد شيطنته لقائد الجيش العماد جان قهوجي في سبيل مصلحة «الصهر». قد يكون السؤال الاهم اليوم: ماذا لو قرر الحريري التصويت لعون رئيسا للجمهورية، هل يرضى الجنرال ان يأتي بأصوات «الدواعش»؟ ألم يقل الجنرال إنه لا يرضى إلا ان يكون رئيسا توافقياً؟ كيف يتوافق مع نواب ووزراء وبيئة «تأكل الأكباد»؟ هل يستحق الطمع بالرئاسة كل هذا الاستسهال لهدم الوحدة الوطنية على رؤوس الطوائف؟