يرى نائب مدير مركز التطور الاستراتيجي في روسيا غريغوري ترافيمتشوك أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتمد سيناريوهات عدة لتغيير الأنظمة غير الموالية لها في العالم. ويؤكد لـ»الجمهورية» أنّه لو نجَحت واشنطن في تغيير النظام السوري لكانت روسيا في المرتبة الثانية على لائحة تغيير الأنظمة.
يعتبر ترافيمتشوك، القريب من دوائر الخارجية الروسية، أنّ الإدارة الأميركية تستخدم الورقة الأوكرانية للضغط على روسيا، بهدف الحصول على تنازلات في ملفات دولية اخرى، بعدما فقَدت الأمل في تمرير سياساتها عبر الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، لذلك اختلقت الأزمة الأوكرانية في محاولة لأن تلعب في الحديقة الخلفية لروسيا، لأنها تُدرك أنّ استمرار الحرب في مناطق شرق أوكرانيا سيُشغل موسكو، في اعتبار أنّ الازمة هناك لا تشكل تهديداً مباشراً لأمن روسيا فحسب بل لأمن أوروبا عموماً.
وبالتالي، ستصبّ روسيا كلّ اهتماماتها هناك، ما يَعني زيادة تعقيدات الأزمة السورية، واستفراد الغرب في منطقة الشرق الاوسط للاستمرار في سياسة تغيير الانظمة من خلال الثورات المسلحة.
وعن الاتهامات الموجهة إلى موسكو بتمديد عُمر الازمة السورية من خلال دعم الرئيس بشار الأسد، يؤكد ترافيمتشوك أنّه من غير الممكن اتهام موسكو بذلك، لأنها أعلنت منذ بداية الازمة انها تؤيد الأنظمة الشرعية، ما يعني أنّ الشعب السوري هو الوحيد المخوّل اختيار سلطاته، وقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الاخيرة أنّ الرئيس الأسد لا يزال يحظى بشعبية واسعة في البلاد، لذلك يمكن القول إنّ روسيا لا تؤيد بشار الأسد كشخص بل كخيار للشعب السوري، خصوصاً أنّ ذلك الاستحقاق قد حصل في ظروف صعبة للغاية، ما يؤكد أنّ الشعب السوري يرى في نظامه الراهن عنواناً للاستمرار والاستقرار.
والدليل على ذلك، قدرة النظام السوري حتى الآن على تسيير مؤسسات البلاد، على رغم الضغوط الدولية والإقليمية والأوضاع الأمنية الداخلية، ومحاولات الإرهابيين تدمير كل مقومات الدولة.
ويعتبر ترافيمتشوك أنّه لو كان لدى المعارضة السورية القدرة على التأثير في الرأي العام السوري، لكانت رشّحت أحد قياداتها في تلك الانتخابات. ويرى أنّ تنامي قدرة الحركات الراديكالية في سوريا يعتبر مؤشراً على ضعف المعارضة التي تدّعي الاعتدال. وانطلاقاً من هذه الرؤية يؤكد أنّ النظام السوري سيبقى صامداً ومستمراً طالما لديه التأييد الشعبي والقدرة العسكرية على مواجهة الارهاب.
ويؤكد الخبير الروسي أنّ الديبلوماسية الروسية نجحت في تجنيب سوريا مخاطر انزلاقات خطيرة، وخصوصاً ما يتعلّق بالأسلحة الكيماوية، إذ إن موسكو وبكين تمكّنتا من اخضاع هذا الملف لقوانين الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبالتالي سُحب هذا الملف من الازمة السورية، الامر الذي يؤكّد صحة الموقف الروسي القائل بإمكان الحلّ السياسي من خلال المفاوضات.
ويكشف ترافيمتشوك عن محاولات روسية للتأثير في المواقف التركية المتصلبة حيال النظام السوري، ولكن على رغم نجاح أنقرة وموسكو في تمتين علاقاتهما الاقتصادية وتطويرها، إلّا أنّ العوامل الخارجية لا تزال تؤدي دوراً كبيراً في سياسة الرئيس رجب طيب اردوغان.
ويرى أنّ الغرب حاول ترهيب أنقرة بإمكان تعميم نسخة الثورات الملونة بالاحتجاجات التي شهدتها البلاد أخيراً، لكنّ أردوغان لم يرضخ لتلك الضغوط، خصوصاً أنّ واشنطن حاولت مرات عدة منذ بدء الازمة السورية زجّ تركيا مباشرة، أي من خلال التدخل ميدانياً، لكن انقرة لا تزال تحاول امتصاص تلك المحاولات نظراً لاعتبارات عدة، أبرزها تفعيل دورها في المنطقة كجسر تواصل بين الشرق الاوسط وأوروبا.
ويؤكد الخبير الروسي أنّ عصر الثورات الملونة انتهى، وهو لا ينطبق على ما يسمى ثورات الربيع العربي، لأنها منذ بدايتها اعتمدت لغة السلاح، ما يعني أنّها أشبه بانقلابات عسكرية مدعومة من الخارج.