تتساءل مرات كثيرة عما اذا كان معظم الساسة اللبنانيين، باستثناء قلة نادرة، يختلفون كثيراً عن حكام عرب قيل ويقال فيهم انهم منقطعون عن الواقع الى حدود الهذيان. مثار هذا التساؤل حصرا لا يعود الى الملفات “العظمى” التي تتقدم الواجهة الآن، بل ان الامر اكثر “تواضعا” ويتصل بواقع ارض ملتهبة على امتداد البقاع وبعض الشمال.
تشبه اطلالات رسميين وسياسيين على محنة المناطق المنكوبة بتداعيات المواجهة مع الارهاب وأزماتها المزمنة اطلالات الدول والمجتمع الخارجي على لبنان حين تضربه صواعق امنية فقط. في الخطاب السياسي الذي غالبا ما يكون كاشفا “للثقافات” لا تتملكك سوى الصدمة، اذا كان هناك بعد من يصدمون، حين تكتشف غربة بهذا الاتساع بين حقائق حارقة تعيشها مناطق الخوف من المواجهات مع التنظيمات الارهابية وأزماتها المعيشية والاجتماعية مع ثقل النزوح السوري الهائل وبين ما يغدق به المنظرون وأصحاب الشأن “العالي” من نظريات ومواقف اقل ما تتكشف عنه سطحية مفضوحة وفقر مدقع في المعرفة والمعاينة ولا نقول التحسس طبعا. حتى انك تحاول العودة الى “أنشطة” غالبية المسؤولين والزعماء والسياسيين فلا تعثر على نموذج “ميداني” لزيارة قام بها صاحب شأن او نفوذ او زعامة للبقاع والشمال والحدود الشرقية بدافع من إشعار الناس المنكوبين فيها بأنهم ليسوا يتامى دولة وسياسة وانماء وأمان وان كل لبنان مهدد متى كانت منطقة فيه مهددة.
ليس هذا الجانب المهترئ في طبائع غالبية السياسيين اللبنانيين وسلوكياتهم وأنماط تعاملهم مع الازمات التي بمعظمها من صنع أيديهم وأفعالهم وافضالهم تفصيلا عابرا متى كان عاملا أساسيا من عوامل اذكاء التوترات الاجتماعية والعصبيات والعنف على ما تشي بذلك احوال شديدة الخطورة في البقاع الشمالي وعكار. نذكر انه في فترات سابقة عقدت جلسات لمجلس الوزراء في الجنوب عقب اعتداءات إسرائيلية على مناطقه ولو على سبيل إثبات التضامن بين الدولة وناسها في مواجهة العدو. هل ثمة أفدح مما يتعرض له البقاعيون والشماليون اليوم من استهدافات ارهابية واستباحة في الازمات على الغارب؟ ولماذا لا تقوم حكومة المساكنة السياسية بكل اعضائها بجولات دورية على مناطق النكبات؟ وهل ينقص بريق زعيم قابع وراء حصونه ان تجرأ بمواكب الحماية المدججة وتواضع ويمم شطر البقاع او عكار بدل التمترس وراء اذكاء الاهتراء السياسي والدستوري؟
واغرب الغرائب هنا ان نرى بعد حين وفودا اجنبية تصول وتجول مستطلعة هذه المناطق فيما يتحدث معظم زعماء لبنان ومسؤوليه عن احوالها بلغة خشبية لا تقدم ولا تؤخر بل ترسم علامة الازمة الكبرى الحقيقية التي يغرق فيها لبنان، ازمة “كوما” سياسية بكل المعايير!