IMLebanon

حضر ليقول: أنا ربُّكم الأعلى؟!

 

الخلاصةُ البالغةُ الدّلالة التي لخّص فيها أحدُ كبار المسؤولين نتائجَ زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بللينغسلي الى لبنان، تقول: «لقد جاء ليقولَ للبنانيين، انا ربُّكم الأعلى»!

 

في تقييم المسؤول الكبير ما يفيد بأنّ «زيارة المسؤول الأميركي في منتهى الخطورة، وكلامه الذي أورده كان مستفزّاً، وخصوصاً حينما قال إنّ «كلَّ مَن يساعد «حزب الله» سيكون معرَّضاً للعقوبات». في رأي المسؤول أنّ هذا الكلام لا يطال «حزب الله»، بقدر ما يطال البلدَ بشكل عام، وتوعّده بمعاقبة «مَن يساعد الحزب»، فيه تعميمٌ بالتأكيد هو تعميمٌ مقصود، بما يُبقي «التُّهمة» جاهزةً لإلصاقها بأيٍّ كان وفي أيِّ وقت كان».

 

هنا يستدرك المسؤول قائلاً: لو كنا في دولةٍ تحترم نفسَها، هل كانت لتسكت على هذا الاستفزاز وهذه الفوقية التي يتمّ التعاطي فيها مع البلد ومؤسساته، وخصوصاً المؤسسات المصرفية والمالية، إبقاء شبح العقوبات حائماً فوق رأسها، وإشعارها بأنه سينقضّ عليها بإشارة من إصبع بيلنغسلي؟ ثم يجيب: «مع الأسف عندما تذوب الدولة، يجب أن نتوقعَ أيَّ شيء»!

 

لا نناقش هنا، يقول المسؤول نفسُه، في موقف الولايات المتحدة الأميركية من «حزب الله»، وقد عبّر عنه بللينغسلي بكل وضوح، بل بكيفية التعاطي مع لبنان، والتعامل معه من موقع المتلقّي لا أكثر. لا نتحدث هنا عن التهديدات المتواصلة بمعاقبة «حزب الله»، فهذه العقوبات باتت سمةَ المواجهة بين الولايات المتحدة وخصومها، من روسيا والصين مروراً بفنزويلا وإيران، وصولاً إلى «حزب الله»، بل نتحدث هنا عمّا يتصل بالإشارات السلبية والإيحاءات غير المطمئِنة التي تطلق – وقد أكثرَ منها بللينغسلي – وتفرض حالاً من الإرباك على مجمل الوضع اللبناني، وخصوصاً على المستوى المالي. فأقلّ ما كان يمكن أن يحدث إزاء هذا الأمر، هو أن تتداعى رؤوسُ الدولة، لعقد اجتماعٍ طارئ لتقدير الموقف وتحديد شكل التعامل مع الضيف الأميركي وكلامه الثقيل.

 

وحسناً فعلت جمعيةُ المصارف في لبنان، على ما يقول المسؤول الكبير، حينما استبقت وصولَ بللينغسلي، بإصدار بيان يؤكد «التزامَ القطاع المصرفي بتطبيق القوانين الدولية حول مكافحة الإرهاب ‏وتبييض الأموال، وتطبيق تعميمات مصرف لبنان التي تصبّ في هذا الاتّجاه».

 

فهذا الالتزام، يضيف المسؤول نفسُه، كان جواباً استباقياً لما طرحه بللينغسلي خلال زيارته، إلّا أنّ ما يدفع الى الريبة، هو أنّ الأميركيين، وقبل غيرهم من دول العالم، يعلمون تماماً علمَ اليقين حالَ المصارف اللبنانية وكيفية تعاملاتها وحركة حساباتها، وقبل ذلك التزامها القوانين اللبنانية والدولية المرتبطة بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، فلماذا الإصرار على إشعارها بأنها مهدَّدةٌ وفي موقع الاستهداف؟

 

علماً أنّ الكلَّ داخلَ لبنان وخارجَه يدركون أنّ استهدافَ المصارف، حتى ولو بالشائعات، أشبهُ ما يكون باللعب بالنار، فهي تشكّل عصب البلد، وأيّ مسّ بها سيؤدّي الى انهيارٍ ودمارٍ يلحق بكل مكوّنات البلد، فهل هذا هو المطلوب، ولماذا؟

 

يقول المسؤول الكبير «أن يقول الأميركيون إنهم سيتابعون مسلسل العقوبات والضغوط على «حزب الله» لخنقه مالياً وسياسياً ايضاً، فهم بذلك لا يكشفون سرّاً، إذ إنهم يؤكدون على هذا المنحى يومياً، وهدفُهم معلن بأنهم قرّروا تشديد الخناق عليه لإخضاعه وكسر قوّته التي يمتلكها، لكن أن يقترنَ هذا التوجّهُ بكلامٍ أو إجراءاتٍ تصيب الاقتصاد اللبناني فهو ما يجعلنا ننظر الى كل هذا المنحى بعين الريبة والاتّهام».

 

وأما نتائجُ هذا المنحى، كما يلفت المسؤولُ نفسه، فصاغتها وقائعُ الأشهر الأخيرة، التي أظهرت التبعاتِ السلبية للعقوبات الأميركية على الاقتصاد اللبناني في الدرجة الأولى، وفي مقدّمها ما تسبّبت به من ذعرٍ لبنانيّ عام عابر لحدود الطوائف والمناطق، وما نتج عن هذا الذعر من سحوباتٍ للودائع، وأنذر بأزمات في قطاع المحروقات، وما بات يتردّد من تحذيرات بشأن التداعيات المحتملة على قطاع التموين (القمح على سبيل المثال)، وكل ذلك يعني أنّ الخراب إن وقع فسيطال الجميع.

 

هنا يطرح المسؤول الكبير سؤالاً: هل إنّ العقوبات الأميركية أثّرت على «حزب الله»؟

 

ويجيب: لعلّ «حزبَ الله»، وإن كان يعترف بأنه يعاني ضائقةً مالية ويمارس شيئاً من التقشف، إلّا أنه قد يكون أقل المتضرّرين من سائر اللبنانيين. فهو في الأساس يمتلك قدراتٍ كبيرة، وبالتالي هو محصَّن أمام أيِّ أزمة اقتصادية، فضلاً عن أنّ مصادرَه لا تعتمد على القناة المصرفية التي هي تحت الرقابة الدولية، وأمواله لا تُدار في البنوك اللبنانية.

 

ولكن إذا كان «حزبُ الله» قد ظلّ، حتى الأمس القريب، يقارب العقوبات الأميركية باعتبارها ذات «تأثير صِفري» على نشاطه، لكونه ليس جزءاً من النظام المالي، إلّا أنّ امتدادَ هذه العقوبات إلى البيئة الحاضنة له تجعل الأمر أكثرَ خطورة، خصوصاً أنّ إصرارَ الأميركيين على اتّباعها يشي في تقدير المسؤول الكبير برغبة دفينة في التحضير لشيءٍ ما في لبنان.

 

ويضيف: أقلّ ما يمكن توقّعُه حيال هذا «الشيء ما»، هو أنّ الأميركيين يبدو أنهم قد عقدوا العزم على فضِّ التحالفات القائمة بين «حزب الله» وجزءٍ من المسيحيين – التيار الوطني الحر تحديداً – وهو ما يمكن رصدُه في ما بين سطور التصريحات والتسريبات الأميركية في شأن الشخصيات والكيانات اللبنانية التي باتت تحت مقصلة العقوبات.

 

ولكن ما يخشى منه المسؤول هو أن يكون منحى العقوبات الاميركية هذا المعتمَد حيال لبنان، هو الجزءُ المكشوف من جبل ثلج مخطط أميركي، يهدف الى إحداث إرباك شديد في لبنان يجري التمهيد له من الآن، يتواكب لاحقاً وربما في المدى المنظور بمحاولة تمرير صفقات إقليمية كبرى من قبيل صفقة القرن أو غيرها، ما يجعل من العقوبات، ليست فقط لخنق «حزب الله»، بل تدمير لبنان ككل.