يقف «الحزب الشيوعي اللبناني» في طليعة القوى الوطنيّة الفاعلة، والأصوات السياسيّة الصافية التي تشهد للحقّ في «جمهوريّة العار». يقف رافضاً مزرعة الطوائف، ودولة المافيات والعصبيّات التي حوّلت المواطنين، ليس إلى رعايا وتابعين فحسب، بل إلى «ضحايا»، بلا حقوق ولا كرامة ولا حماية ولا مستقبل. واحتجاجاً على السلطة الغاشمة «التي تقامر بنا كي تحافظ على امتيازاتها»، وعلى الواقع المقلق القاتم الذي يتطلّب الانقاذ قبل فوات الأوان، يدعو الحزب الشيوعي الشعب للنزول إلى الشارع، غداً الأحد الواقع في 16 كانون الأول/ ديسمبر. يتحدّى أسياد الدولة المترنحة، المنشغلين بمناحراتهم على الحصص، دافنين رؤوسهم في التراب، مستخفّين بالانهيارات المقبلة. يعود «الرفاق»، بتاريخهم العريق ونضالاتهم الطويلة، ليدقّوا ناقوس الخطر، ويعلنوا حالة الطوارئ السياسيّة والشعبيّة، ويرفعوا الصوت معبّرين عن غضب الأكثريّة الصامتة من اللبنانيين: «سنوات ونحن نحذّر أطراف السلطة، من غياب أي أفق لنمط اقتصادهم الريعي ـــ أعلن الأمين العام حنّا غريب ـــ وهم يتجاهلون ويكابرون، وها هو اليوم يتجّه نحو السقوط الكبير، ونحن وحدنا قادرون على إنقاذه».
يذكّرنا الشيوعيون، أن شبح الإنهيار المخيّم على الفقراء، أي الأكثريّة الساحقة من أبناء الشعب، لا يميّز بين أديانهم ومناطقهم ومذاهبهم وعقائدهم وانتماءاتهم. فكل اللبنانيين يرزحون تحت نير كابوس واحد هو السلطة السياسية التي يتواطأ أباطرتها وباروناتها على سحقهم، مصادرين منهم أي إمكانية تقدّم ونموّ وعدالة، وأي أمل بالمستقبل. كل اللبنانيين ضحايا الوحش المتعدد الرؤوس نفسه: النظام الطائفي. اللبنانيّون، لا يميّز بينهم الجوع والمرض والإهمال والإذلال والقهر وتراجع خدمات الحدّ الأدنى، والموت المتربّص عند كل منعطف، والفساد المتفشي في كل شيء: نتنشقه، ونشربه، ونأكله، ونتربّى عليه، ونعوم في مجاريره، ونتخرّج من مدرسته. «سواء تشكّلت الحكومة أم لا، فنحن اللبنانيات واللبنانيين من سيدفع الثمن»، يذكّر غريب. «هذه السلطة لا يعنيها من كل ما يجري إلاّ الحفاظ على مصالحها، فهي تتآمر علينا وتستخدم كل أسلحتها: سلاح الإفقار، وسلاح التخويف والقلق، وسلاح الطائفية والمذهبية والفتنة، لتجديد سلطتها والتهرّب من نتائج سياساتها التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي – الاجتماعي، محاولة تحميلنا نتائج سياساتها التي ستزداد أثقالها إذا ما نجحت بتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر».
يقدّم حنا غريب تشخيصاً وافياً للواقع السياسي أوّلاً، ثم الواقع الاقتصادي. من ملف الكهرباء الذي «كان ولا يزال أكبر «دفرسوار» لنهب الشعب»، إلى «ارتفاع تكاليف التعليم والاستشفاء والسكن»، و«إضعاف الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي والمستشفيات الحكومية، وقانون الإيجارات ونهب القروض السكنية المخصصة للشباب وأصحاب الدخل المحدود، والتهديدات الرعناء بزيادة سعر صفيحة البنزين وزيادة الضريبة على القيمة المضافة». يتناول أشكال «النهب المنظّم للبنانيين»، متوقفاً عند الهندسات المالية، التي سرقت «ما لا يقلّ عن سبعة مليارات دولار من جيوب اللبنانيين»، لتهديها إلى «حفنة صغيرة من المصارف الكبرى والمتموّلين». ويدقّ ناقوس الخطر، منبئاً بنهاية النظام اللبناني: «إن نموذجكم الاقتصادي الريعي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقد وصلت «لعبة الطرابيش» التي تديرونها منذ أواسط التسعينيات إلى خواتيمها غير الحميدة. وما من سبيل للانقاذ إلاّ برفع الصوت: فهيّا إلى الشارع!».
من نافل القول إن هذا النظام المترنّح سيحمّل، أكثر فأكثر، المهمّشين والفقراء والطبقات الوسطى أعباء سياساته القائمة على الهدر والفساد والارتجال وغياب الجدارة… ولعلّ الخلاص الوحيد هو انتفاضة شعبيّة تفرز واقعاً جديداً. لكن السؤال المحيّر في جمهوريّة الطوائف، هو حول مقدرة الواقع اللبناني على احتضانها. هذا يعيدنا إلى الإمكانات والأدوات والشروط اللازمة لعودة اليسار اللبناني والعمل النقابي. إن من مصلحة جميع الغيارى على هذا الوطن، وأوّلهم المقاومة، انبعاث القوى المطلبية الوطنيّة المقاوِمة، واستعادتها القدرة على الاستقطاب والاقناع ومخاطبة دائرة واسعة من الرأي العام، من كل الشرائح والمناطق، رغم التشويش الذي سيعيقها على أنواعه. والحزب الشيوعي يمكن أن يكون نواةً لتحرّك شعبي جامع، يقوده مشروع سياسي، وبرنامج اقتصادي، وخلفيّة وطنيّة حاسمة من التبعيّة والوصاية الأجنبيّة. فلا يمكن أن يأتي التغيير، بل سيأتي الخراب والتفتت، على يد «أحزاب» طفيّليّة لا أحد يعرف كيف نبتت، وأعلنت نفسها خياراً «بديلاً»… ولا شخصيّات استعراضيّة كرتونيّة طارئة ومشبوهة، ركبت على الموجة المطلبيّة… ولا جمعيّات غامضة، تنتحل الصفة التقدميّة، وتلوّح براية الاحتجاج، وتبتذل شعارات التغيير، فيما هي حليفة موضوعية لقوى الاستغلال في الداخل والخارج، تتحرّك على أساس برامج محددة مسبقة التمويل، وفي أفضل الحالات ليست إلا هدراً للوقت والطاقات، وتسطيحاً للمعارك، وتدجيناً للكوادر الشابة وترويضها عبر الامتيازات الشخصية وآليات تفكير تابعة.
«إلى الشارع للإنقاذ… في مواجهة سياسة الانهيار». مع حنا غريب ورفاقه الاحتجاج له معنى وطني، ويقوم على رؤية سياسية، ومطالب واضحة من أجل «اقتصاد منتج في خدمة المجتمع وليس العكس»، يمنح اللبنانيين فرص العمل ويشرّع أمامهم آفاق التقدم. من هذه المطالب: «حماية احتياط تعويضات نهاية الخدمة، التنفيذ الفوري لمشاريع مصانع الكهرباء وإصلاح شبكات نقل الطاقة الكهربائية، تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص، تقديم تغطية صحية شاملة وكسر احتكار الدواء، فرض ضريبة تصاعدية على شركات الاموال وفي مقدمها القطاع المصرفي، وضع حدّ للتهرّب الضريبي»… لذلك سننزل إلى الشارع ونلبّي النداء. لا ضرورة لأن نكون حزبيين للدفاع عن حقوقنا ومصالحنا ودولتنا ومؤسساتنا. لننزل يوم الأحد عند الحادية عشرة إلى «البنك المركزي»، ذي الرمزيّة العالية، في الحمرا، ونمشِ حتّى ساحة رياض الصلح. فلنمشِ، كما طلب الرفيق حنّا، «بقبضات مرفوعة وبأصوات مدوّية (…) فلنحاصرْهم، ونستمرَّ في محاصرتهم، أينما كانوا».