Site icon IMLebanon

الكوماندور سمير فرنجية قائد جيوش السلام

لا اعتقد انه يوجد في لبنان الآن ما يمكنني الكتابة عنه من دون ان اشعر بالعار او الندم  بما أنّني لبناني، باستثناء قرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بمنح وسام الاستحقاق الفرنسي برتبة كوماندور للمفكر اللبناني سمير فرنجية. ورغم ان هذه الشمعة المضيئة لا تكشح الظلام الدامس الذي يسيطر على الواقع اللبناني الا انها أفضل بكثير من لعن الظلام.

توقفت عند الرتبة العسكرية التي منحت لأحد صانعي السلام اللبناني والمصالحة الوطنية الدائمة من دون كلل او ملل على مدى عقود طوال، اذ جاء الوسام برتبة «كوماندور»، والتي تعني قائد الجيوش او صاحب الأمر، وسمير فرنجية رجل حوار وإصغاء وتواضع وانسياب، هادىء، رؤيوي، محبّ للحياة، متشعّب الوصال مع الأديان والطوائف والأحزاب، ومتعدّد المجتمعات والطبقات والحقبات، لبنانيّ البنية عربي الهوية وفرنكوفوني الثقافة.

سمير فرنجية شديد الحميمية مع الذاكرة الوطنية، وانتقائيّ مع الحقبات، متجدد الصداقات، متناسي للخصومات، شغوف بالمبادرات والتحديات، تستفزّه العصبيات، حميميّ مع جذوره الممتدة افقيّاً من طرابلس الى الكورة وجبيل وقرطبا والمنية والضنية وعكار، الى البقاع من بعلبك الى القرعون وراشيا وزحلة رغم عدم اعترافه بجودة الكبة النية الزحلاوية لأسباب مناطقية، إذ أنّه يعتقد أنّ إهدن تعلو عن سطح البحر آلاف الأمتار وأنها صلة الوصل بين بكركي والديمان.

سمير فرنجية بيروتيّ الهوى والمقام، متنقّل بين أحيائها وأزقّتها ومدارسها وجامعاتها وساحاتها ومنابرها ومنتدياتها وصحفها ومخيّماتها وضواحيها، معجون بها ومعجونة به، مستوطن فيها حتى عندما يغادرها، الى حدّ أنّني أخاله لم يغادرها يوماً او لم يعرف غيرها، تاركاً بصماته فيها على قاعات البريستول وساحات ١٤ آذار.

 قصة سمير فرنجية مع الجنوب طويلة وكثيفة الرفاق والعلماء، من اليسار الى الحوار الى كلّ الرموز والأسماء، مع توقّف دائم في صيدا في الذهاب والإياب، وذكريات عميقة مع الشوف في كل الحقبات والتحديات والمصالحات، الى جبل لبنان وسيدة الجبل وقرنة شهوان والزملاء العشرين الأحياء منهم والشهداء.

سمير فرنجية مهووس بالتسويات وتلك ميزة صانعي السياسات، وشديد الاعتداد والتمسّك بتسوية الطائف، إذ يجد فيها خشبة الخلاص الوحيدة او الأخيرة لكلّ اللبنانيّين بدون استثناء، وكلّما اهتزّت أركانها يشعر بالخوف على الدولة المدنية في لبنان.

يصعب كثيراً تحديد أصدقاء سمير فرنجية، فقلّما تجد لبنانيّة او لبنانيّاً من كل الطوائف والمناطق والاتجاهات والأعمار والطبقات لا يحدّثك عن صداقته مع سمير بك. وأعتقد أنّنا اذا أنشأنا حزباً لأصدقائه قد يكون من أكبر احزاب لبنان. يتذكّر البيك الأحداث والأصدقاء بكلّ دقة، مع التفاصيل والمفردات، والشيء الوحيد الذي لم أسمعه يوماً يتذكّره هو أنّه كان نائباً في البرلمان.

العاشر من تشرين الأوّل القادم سيشهد قصر الصنوبر الإعلان عن «إنسان لبنان الكبير»، وذلك بتقليد سمير فرنجية وسام الاستحقاق الفرنسي برتبة كوماندور كقائد لجيوش السلام في لبنان، كما شهد قصر الصنوبر في ١ أيلول ١٩٢٠ إعلان دولة لبنان الكبير.

شكرًا للرئيس الفرنسي على تكريم العقل في لبنان، في زمن الفشل اللبناني وانعدام العقل والحكمة والتمادي في صناعة الكراهية والأحقاد. وشكراً لسمير فرنجية لأنّه منحني فرصة كتابة هذه الكلمات من دون أن أشعر بالندم أو العار، مع خالص تقديري للأصدقاء فارس ومروان ومحمد مطر..