IMLebanon

وصية يستوجب التأمل فيها من السيّد المطيل الأمل

لو أن الملك سلمان بن عبد العزيز لم يعتمد «عاصفة الحزْم» علاجاً وقائياً على رغم ما في طيات هذا العلاج من ألم على النفس كون الضربات الجوية ستقتل أرواحاً وتدمر بنياناً، لكان المخطط الذي رسمه المشروع الإيراني الطموع للمنطقة إنطلاقاً من الخاصرة اليمنية شق طريقه وبدأ الحلم الخامنئيْ التنفيذ الخمينيْ الفكرة يتحقق بالتدرج، إستكمالاً لإشباع شراهة الطمع.

وتبسيطاً للأمور يمكن في حال إعتبر الملك سلمان أن إنقلاب الحوثي – علي عبد الله صالح على الشرعية في اليمن والشروع في تنفيذ مراحل اليمن الحوثي – الصالحي، مجرّد مسألة داخلية وليست أبعد من ذلك وأنها خالية من الطمع، إفتراض حصول الآتي:

بعد إحكام القبضة على صنعاء التي ما تزال في القبضة حتى إشعار آخر يتم إخضاع سائر المدن بدءاً بالورقة الذهبية عدن مروراً بالورقة الفضية تعز. في الوقت نفسه يتم إجبار الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ووزير الدفاع وقادة المؤسسة العسكرية (من غير جماعة صالح) على إصدار بيانات تأييد للسلطة القالبة التي تتقاسم اليمن بحيث يترأس عبد الملك الحوثي مجلس قيادة يكون من نوعية المجلس الجمهوري بعد سقوط حُكم الإمامة وقيام الجمهورية ويكون الرئيس السابق علي عبد الله صالح نائباً للرئيس، ويتولى أحمد علي صالح رئاسة الحكومة إلى جانب منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، فيما يُعزّز والده الرئيس السابق الحزب الذي كان في الأصل يحكم به.

تبقى الأحوال على هذا النحو لفترة إنتقالية يتم خلالها إبرام معاهدة صداقة شكلاً  عسكرية فِعْلاً، مع إيران تستكمل فيها هذه تزويد اليمن جواً وبحراً بأطنان من السلاح والذخيرة إلى جانب تدعيم السلاح الجوي اليمني بأنواع من الطائرات المقاتلة والطوَّافات وطائرات الإستطلاع من دون طيّار وبعض الزوارق البحرية المتطورة. ومع هذا التدعيم من آليات وذخيرة يتم، وأيضاً تحت مسمى خبراء للتدريب، إرسال المئات من المستشارين وفي الوقت نفسه إرسال المئات على دفعات من أفراد المؤسسات الأمنية لتدريبهم في إيران وشحن أدمغتهم..  أو غسْلها عند الضرورة.

في خطوة لاحقة تُنشئ إيران في اليمن مفاعليْن نووييْن ظاهرهما لأغراض التنمية وحقيقتهما للبدء بإنشاء رديف نووي للمشروع الإيراني يحقق غرضيْن: يكون بديلاً في حال تعرَّض المشروع في إيران لضربة ما. ويكون عنصر إملاء شروط  وإرادات على دول الخليج.

في خطوة ثانية لاحقة يتم تعزيز الوجود العسكري المتطور على طول الحدود مع المملكة العربية السعودية. ومن هذا التحشيد يتم إدخال الأفراد والسلاح إلى السعودية والبحريْن. ثم تبدأ التحرشات التي تحوِّل المملكة إلى حالة أشبه بتلك الحاصلة في العراق.

لمجرد إشغال السعودية وإنهاكها لا تعود المملكة رقماً أساسياً في المعادلة الإقليمية، وتصبح إيران هي ذلك الرقم في المنطقة. وعندما تؤول الأمور إلى ذلك لا يعود النظام البشَّاري في خطر ويتم تدعيمه ثم إرفاق التدعيم بخطوات إصلاحية. كما أن الوضع في لبنان يتجه إلى ما تراه إيران وما يعكسه الموقف الذي يتخذه «حزب الله» في موضوع رئاسة الجمهورية، وهنا يصبح مفهوماً لماذا كان التعطيل.

الذي حدث هو أن الملك سلمان أفشل بـ «عاصفته» اليمنية المشروع الإيراني. ومن هنا رأيْنا المرشد خامنئي يوقف مسلسل التحفظ على الإتفاق النووي ومن دون أن تعني هذه التصنيفات  العدائية لأميركا أن موقف إيران على ثباته. بل إن هذه التصنيفات والإكثار من عبارات الإستعلاء في الخطاب الإيراني إنما هي لقطْع الطريق على علامات الإستفهام والتعجب ترتسم على وجوه النّاس داخل إيران وفي أعماقها مثل «حزب الله» في لبنان وسائر الأطياف العربية التي تحلق في الفضاء الإيراني. ولقد أتى التعطيل على اليمن حيث تتلاشى صيغة الحوثي علي عبد الله صالح وبدأت الشرعية تستعيد ما سُلب منها، وتتزامن مع التلاشي طمأنينة يمنية بأن الترميم من جانب السعودية ودول الخليج سيبدأ لمجرد أن تهدأ «العاصفة» تماماً، وحيث أن ما بنى عليه «حزب الله» لن يتحقق لا بالنسبة إلى ملء مقعد الرئاسة في لبنان ولا إلى دوام الرئاسة البشَّارية في سوريا. وأما تطلعات إيران الماضية فإنها إلى إنحسار كون الرأي العام الملاييني في إيران ينتظر عوائد الإتفاق النووي لأن مردود موسم العداوة لأميركا وغيرها كان قاحلاً وأنه لا بدّ من حرْث جديد وزرْع مضمون السلامة.

من هنا تصبح مفهومة هذه الخشونة في كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله في إطلالتيْه العاشوريتيْن الأخيرتيْن وقوله من الكلام ما ليس مستحباً قوله لا على لسانه ولا في مناسبة يُستحب الكلام الوجداني فيها وليس إطلاق الهتافات كأنها قذائف.

 إستباقاً لحدوث موقف صادم للذين يرعاهم النظام في إيران في بعض الدول العربية وذلك عملاً بمبدأ للضرورة أحكامها، سمعْنا السيّد حسن يقول في خطبة «اليوم العاشر» عن العائلة المالكة في السعودية كلاماً يفتقد إلى الحنكة ومصلحة لبنان مقارنة من جانبه بإيران التي قال عنها غامزاً من العلاقة السعودية – الأميركية «إن إخواننا في إيران هم أوفى من أن يبيعوا صديقاً أو حليفاً من أجل مصلحة إيرانية، بل هم يضحون بمصالحهم الوطنية من أجل مصالح ومقدَّسات الأمة. عند أميركا يوجد عبيد ويتعاطون كأسياد مع عبيد، أما نحن حزب ولاية الفقيه، سادة عند الوليِّ الفقيه…».

هنا قد يكون من المفيد إستحضار وصية الملك عبد العزيز طيَّب الله ثراه لأبنائه الملوك من بعده، ففي مضامينها الموقف الذي يتمنى المرء لو أن كل حاكم في الأمة  وكل وليِّ أمر حزب يتطلع إلى السلطة الأعلى في الدولة يتأمل فيه ويعمل بمقتضاه عوض هذه المغامرات التي لا جدوى منها. في هذه الوصية التي عمل الأبناء الملوك الخمسة الراحلون رحمة الله عليهم ويعمل الإبن الملك السادس خادم الحرميْن الشريفيْن سلمان بن عبد العزيز بحرفية مضمونها، من الوطنية والدين والتواضع ما يجعل المرء يستغرب كثير الإستغراب خشونة كلام السيّد حسن. يبدأ الملك المؤسس وصيته بالقول إلى أول الأبناء سعود ومِن بعده الآخرون: «تفهَّم أننا نحن والناس جميعاً ما نُعزُ أحداً ولا نُذلُ أحداً، وإنما المُعز والمُذل هو الله سبحانه وتعالى، مَن إلتجأ إليه نجا، ومن إغترَّ بغيره (عياذ الله) وقَع وهلَك…»، وينهيها بالقول: «ينبغي ألاَّ تأخذك في الله لومة لائم. عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة وفي أمر أُسرتك خاصة. إجعل كبيرهم والداً ومتوسطهم أخاً وصغيرهم ولداً، وهِن نفسك لرضاهم وإمْحُ زلهم وأقل عثْرتهم وأنصْح لهم وإقضِ لوازمهم بقْدر إمكانك. أوصيك بعلماء المسلمين خيراً. إحرص على توقيرهم ومجالستهم، وأخْذ نصَيحَتهم. وإحرص على تعليم العِلْم…».

هذه الوصية عمرها 82 سنة. وطوال سنوات الملوك الخمسة وسنوات سلمان بن عبد العزيز المديدة يتواصل هذا النهج… وحتى بعد أن يستوجب الأمر حدوث عاصفة تدعيماً لذلك النهج وحِرصاً على ديمومة العروبة. وبعد هذا تنطلق أصوات ما زال أصحابها يأملون تحقيق مشاريع تتجاوز آفاق صيَغ الواقعية. وهذه الأصوات تلعن وتتمنى الموت لمن هم يريدون للأمة خير التعايش وأفضل التوافق وأزهى الإزدهار بالإستقرار.

يا ليت يتأمل السيّد حسن في معاني هذه الوصية وفي القول الطيِّب للإمام علي كرَّم الله وجهه: «من أطال الأمل أساء العمل». والله أعلم بما في صدور الجميع.