Site icon IMLebanon

«وصايا» النظام السوري.. وما بعده

استدراكٌ – قبل البدء: لم يسقط نظام الرئيس بشّار الأسد بعد. سقوط نظام مسألة «مطلقة» وليس مسألة نسبية. يسقط النظام حين يُطاح رأسه في العاصمة. القول إنّ النظام «سقط عملياً» قبل سنة أو اثنتين أو ثلاث هو قول مجازيّ ودعائي، تنبغي المحاذرة من تصديقه بحرفيته. بشّار الأسد لم يسقط بعد، وليس هناك أولوية أهم، على جدول أعمال السوريين الآن، من عملية إسقاطه. 

استدراك على الاستدراك: النظام لم يسقط بعد. لكنه يحتضر. أكثر من ذلك، هو من يقول عن نفسه الآن، ما ترجمته: أنا احتضر. في مرحلة سابقة – قبل أشهر من الحين، كان يبدو أن النظام نجح في تحويل الاحتضار نفسه إلى «باب رزقة»، إلى احتضار دموي = حيوي، ومزمن: إذاً، إدارة للحرب الأهلية. تجاوزنا هذه المعادلة إلى حد كبير الآن. لم تعد عدّة نصب النظام وحلفائه أنّه إذا سقط سيحدث كيت وكيت من الأشياء في المنطقة والعالم. صار النظام متواضعاً من هذه الناحية: أنا أحتضر لكن أريد أن أقسّم الورثة. نحن في مرحلة يستميت فيها نظام دموي، وهو يموت، من أجل كتابة «وصاياه». حرب «حزب الله» في سوريا الآن هي تحديداً حرب الوصايا. 

عجْز النظام عن قمع الثورة وعجْز الثورة عن الاطاحة السريعة بالنظام، ولّدا مفاعيل توازن كارثي أتى على المجتمع السوري المتصدّع أساساً بفعل عناصر مزمنة كثيرة، في مقدمتها هذا النظام الفئوي الدموي. وهذا التوازن الكارثي ترجم نفسه في صيغة حرب أهلية لامتكافئة لسنوات، حجز فيها نظام آل الأسد لنفسه دوراً مركزياً في ادارة هذه الحرب الأهلية بشكل يحاكي فيه أسوأ الادارات الكولونيالية، ويتعامل فيه مع السوريين كـ»سكان أصليين» يجري تحضيرهم، بالمجازر والسلاح الكيماوي. 

لكن هذه الحرب الأهلية التي أدار النظام قسطاً واسعاً منها، ليست من النوع الذي يمكن أن يأمل فيه هكذا نظام بأن يخرج مظفراً، ويستعيد مشهد الجنرال فرانكو وهو يحسم الحرب الأهلية ويقيم سلماً أهلياً في إسبانيا على أساس الديكتاتورية. أبداً، هي حرب من نوع لا يمكن أن يستمر نظام آل الأسد بعدها، لكنها يمكن أن تستمر كحرب بعده، وهذا بيت القصيد اليوم، خصوصاً في داخلنا اللبناني. 

الانقسام حول المسألة السورية في أشدّه لبنانياً. لكن، ما من أحد يمكنه أن يدّعي اليوم أن هذا النظام لن يسقط. التفاوت في التقديرات بات يتعلّق فقط بموعد سقوطه، والشكل. 

إذاً، ثمة مجال، ولو جزئي، لإيجاد مساحة كلام لبنانية مشتركة: ماذا نحن فاعلون في مرحلة صار فيها سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى، من دون أن يكون واضحاً، أبداً، ما ستؤول إليه سوريا بعده؟ صحيح أن هناك فريقاً يكابر لفظياً على القسم الأول من السؤال، لكنها مكابرة رفع عتب، وصحيح أن هناك فريقاً يكابر تفاؤلياً على القسم الثاني من السؤال، لكنها مكابرة رجائية أكثر منها واقعية. المكابرتان لا تغيّبان المساحة المشتركة، للحديث بين اللبنانيين، وليس فقط «القنوات الحوارية» الحزبية، حول مرحلة سورية آتية، ستتجاوز ثنائية «نظام وثورة»، لكنها ستنهي قبل كل شيء الحالة التي اسمها بشّار الأسد، وهي مرحلة ستعطي بمجرد تدشينها، عناصر جديدة للاتفاق وعناصر جديدة للخلاف بين اللبنانيين، وفرصاً جدّية – وإن تكن صعبة – لتغليب الأولى.