IMLebanon

قبل أن نلفظ الأنفاس الأخيرة

 

أرقام منظمة «الأسكوا» عن حالات الفقر التي ضربت ثلثي الشعب اللبناني خلال أقل من سنتين فقط، نزلت برداً وسلاماً على جهابذة حكم الزمن الرديء، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن خطوات بسيطة لتجنب سقوط شعب بكامله في مهاوي الفقر والعوز والحرمان، بعدما حاصرت الأزمات المتزاحمة الحياة اليومية للبنانيين، وأمسكت بأعناقهم بمخالب الكهرباء والبنزين والمازوت والدواء.

 

 

لم نسمع أن أحداً من كبار المسؤولين قد دعا لإجتماع طارئ، أهم وأسرع من إجتماعات مجلس الدفاع الأعلى التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

 

ولم يتحمس طباخو التشكلية الحكومية على تسريع الخطى، وتذليل العقبات التي مازالت تعترض ولادة الحكومة منذ أكثر من سنة، بسبب الخلافات على المحاصصات، وتمسك فريق رئيس الجمهورية بالثلث المدمر لتوازنات السلطة، والمعطل للشراكة الحقيقية في القرار الوطني.

 

حتى الوعود التي قطعها كبار المسؤولين لوفد الكونغرس الأميركي بإنجاز تأليف الحكومة خلال الأسبوع الماضي، قد تبخرت قبل أن يجف حبر كلام رئيس الوفد في مطار بيروت عن التسهيلات التي قدمتها واشنطن لتمكين لبنان من تأليف حكومة قادرة على مواجهة تحديات هذه الأزمات المعقدة. ولم يُقابل الكلام الأميركي عن «تفهم ما» لوجود ممثل لحزب الله في الحكومة العتيدة، والإعلان عن وقف فرض العقوبات على بعض المسؤولين اللبنانيين، تطميناً للنهج الأميركي الجديد لإدارة الرئيس بايدن، والذي يتعارض كلياً مع التوجه المتشدد الذي إتخذه الرئيس السابق ترامب في فرض العقوبات الصارمة ضد حزب الله، والتي شملت المرافق الحيوية الرسمية، وتحمل تبعاتها الشعب اللبناني بأكمله.

 

وأثبتت تطورات الأسابيع الأخيرة أن فشل الحكم الحالي لا يقتصر على السياسة الداخلية وتداعياتها الإقتصادية والمالية وحسب، بل أن التقصير الفادح في السياسة الخارجية، والتلهي بقشور معارك النفوذ المتداعي، قد أضاعا على لبنان فرصاً لا تعوض، في التخفيف من ضغوط أزماته المتلاحقة، وتجنب الوصول إلى الدرك التي أوصلتنا إليه «سياسة جهنم».

 

لقد وقعت الديبلوماسية اللبنانية العريقة بتاريخها الطويل، وإنجازاتها الوطنية والعربية والدولية، أسيرة الجهل المطبق، والإستئثار بالسلطة والتفرد بالقرار، في مواجهة قرارات العقوبات، سواء على لبنان أم على سوريا، حيث تم الإستسلام لشروط تلك العقوبات المتشددة، ولم تجري أية محاولة للإستفادة من تجارب دول قريبة منّا، مثل تركيا والعراق وغيرهما، الذين إستفادوا من إستثناءات إقتصادية وإنسانية مهمة لشعوبهم، وحفاظاً على مصالحهم الوطنية.

 

التواصل مع دمشق جاء متأخراً كثيراً، وكان من الممكن أن يحصل بمجرد أن هدأت أوار الحرب في سوريا، وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها، لأن المصالح الوطنية اللبنانية، تعلو فوق كل الإعتبارات الأخرى، كما يحصل مع دول شقيقة في المنطقة، والمصالح الإستراتيجية اللبنانية مع سوريا أكثر من أن تُعد وتُحصى، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم في دمشق.

 

وهل يجب أن نُذّكر من يعنيه الأمر أن سوريا هي بوابة الصادرات اللبنانية إلى العالم العربي، وأن بلد الأرز يستضيف حوالي مليون ونصف المليون من النازحين السوريين، الذين لا يمكن أن يعودوا إلى ديارهم دون تنسيق مع سلطات دمشق، وأن الغاز المصري والطاقة الأردنية تصل لبنان عن طريق سوريا، وأن النفط العراقي ممكن أن يتدفق من جديد إلى مصفاة طرابلس عبر الأراضي السورية،.. إلى آخر سلسلة المصالح الحيوية التي تربط البلدين الجارين.

ad

 

ونتائج زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق قد تكون بداية لإعادة فتح قنوات التواصل الإقتصادي والتجاري مع سوريا، في حال أصر لبنان على حقه الطبيعي والإنساني، وبعيداً عن أي إعتبارات سياسية، في الحصول على الإستثناءات الضرورية من قرارات العقوبات المفروضة على سوريا.

 

صحيح أن لبنان يمر بأزمة مصيرية غير مسبوقة في تاريخه، ولكنه قادر على الخروج منها، وإستعادة توازنه الاقتصادي، في حال توفرت إدارة إستثنائية للسلطة، تمتلك رؤية وطنية واضحة بمنأى عن الحسابات الحزبية والأنانية الضيقة،.. سلطة تتسلح بالجرأة اللازمة لإتخاذ القرارات الصعبة، وتكون قادرة على إطلاق ورشة الإصلاح والإنقاذ قبل فوات الأوان،.. وقبل أن يلفظ الشعب اللبناني أنفاسه الأخيرة!