التراجع في الأسواق تجاوز 80 في المئة وانهيار القدرة الشرائية يحرم المصالح الإستفادة من العيد
في العادة، وفي مثل هذه الأيام من كل عام كانت سماء مختلف المناطق اللبنانية تُضيء بالمفرقعات النارية. وفي الصباح تصحو القرى والأحياء باكراً على صرخات الأطفال المزهوين بثياب عيد الأضحى، والمنتظرين “العيدية”. أمّا حركة الأسواق التجارية فكانت لا تهدأ قبل وبعد أسابيع من العيد. وكانت قيمة ما تبيعه الملاحم ومتاجر المأكولات والألعاب والملبوسات تقدّر بعشرات ملايين الدولارات. كل هذا توقف.
الدورة التجارية التي تكتمل بالأعياد والمناسبات، قطعتها الأزمة الإقتصادية. ويكفي بحسب عضو المجلس الإقتصادي الإجتماعي عدنان رمال أن “ننظر إلى واقع الميزان التجاري لنستخلص حجم التراجع الهائل في مختلف القطاعات الأساسية والكمالية”. وبالأرقام تراجع الإستيراد من نحو 19.2 مليار دولار في العام 2019 إلى حدود 12 ملياراً في العام 2020″، مع التوقع أن يتراوح حجم الإستيراد بين 8 و10 مليارات دولار لهذا العام. وعليه فان تراجع الإستيراد بأكثر من 60 في المئة سيرخي بثقله على مختلف القطاعات ويترجم، بحسب رمال، “إقفالاً في العديد من المصالح التجارية بشكل كلي وتقليص في حجم أعمال المصالح والمؤسسات التي استطاعت الصمود والإستمرار. في المقابل لم يرتفع الإنتاج المحلي ليعوض هذا النقص الكبير في الإستيراد، ذلك أن معظم القطاعات الإنتاجية في الداخل تعتمد بنسبة تصل إلى 60 في المئة من إنتاجها على شراء المواد الأولية من الخارج. وبالتالي تأثرت بسعر الصرف وتراجع الإستهلاك عليها”.
عجز الميزانين
المشكلة الأكبر، بحسب رمال، هي أن “تراجع العجز في الميزان التجاري نتيجة تراجع الواردات لم ينعكس إيجاباً على ميزان المدفوعات، بل العكس فقد ارتفع العجز في ميزان المدفوعات (خلاصة العمليات المالية التي تمت بين لبنان من جهة ومختلف البلدان الأجنبية) بشكل كبير جداً (وصل إلى أكثر من 11 مليار دولار في العام 2020). ما يدفع للقول أن الإبقاء على عجز تجاري كبير مع ميزان مدفوعات إيجابي أفضل بكثير مما نشهده حالياً من ترافق عجزين كبيرين، خصوصاً لجهة ميزان المدفوعات. ولا ننسى بحسب رمال أن “حجم الإستيراد الكبير كان يؤمن مداخيل كبيرة للدولة من الضرائب والرسوم والجمارك، ويشغل نحو 300 ألف عامل في القطاع التجاري وحده. أما اليوم فتراجع النشاط في القطاع التجاري بأكثر من 70 في المئة وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل أو الذين صرفوا من أشغالهم إلى درجة نعجز معها على تحديد النسب بشكل دقيق. هذا من دون أن نحسب أعداد الخريجين الجدد التي تقدر بحدود 30 ألف طالب وطالبة سنوياً.
التراجع فاق 80%
الأسواق في مختلف المناطق تشهد على هذا الركود التضخمي الكبير الذي يعصف بالإقتصاد اللبناني. وبحسب الخبير الإقتصادي باسم البواب فان الطلب على الكماليات من ألعاب واحذية وملبوسات شبه متوقف والتركيز هو على الضروريات فقط من مأكل ومشرب. وقد وصل حجم التراجع في حركة الأسواق التجارية برأيه إلى أكثر من 80 في المئة في حال مقارنة الأرقام مع السنين ما قبل الأزمة، التي لم نكن فيها بأفضل حالاتنا. أما المفرقعات “التي تعتبر إحدى سمات هذا العيد وكانت تشكل في الماضي القريب مصدر دخل وفير للمستوردين وتجار الجملة والمفرق، فقد تراجع الطلب عليها لسببين: الأول، نتيجة حصر استيرادها بالبعض ولأغراض محددة جداً بعد إندلاع الثورة في تشرين الأول من العام 2019. والثاني ارتفاع أسعار المهرب منها او المخزن من السنوات الماضية بشكل جنوني، حيث ان تشكيلة بسيطة من “الأسهم” و”جبال النار” و”الطلقات الملونة” و”الفتيش” أصبحت تكلف أكثر من مليون ليرة لبنانية”.
“التضحية” بالمؤسسات
في الوقت الذي كان يشكل فيه عيد الأضحى فرصة مهمة لتجار اللحوم لزيادة مبيعاتهم وتحقيق الأرباح، فقد انعكس الإرتفاع الهائل في سعر صرف الدولار جموداً في القطاع. وبحسب أمين سر نقابة تجار اللحوم المبردة والمجلدة خليل نعمة، فان “سعر الخروف الواحد يتجاوز اليوم 5 ملايين ليرة. وقد أصبح من الصعب على من كان يضحي بخروف أو أكثر في هذه المناسبة الإستمرار في هذا التقليد. أما لجهة اللحوم المبردة والمجلدة فان الوضع ليس أفضل حالاً. فمن المتوقع ألا يتجاوز مجمل الإستيراد هذا العام 2500 طن بعدما كان يصل في سنوات ما قبل الأزمة إلى حدود 24 ألف طن سنوياً. هذا التراجع المقدرة نسبته بأكثر من 80 في المئة انعكس، بحسب نعمة، “إقفالاً للكثير من الملاحم والمؤسسات. فمن كان يستورد عشرات الحاويات في الشهر الواحد لم يعد يتجاوز استيراده الحاوية الواحدة كل شهرين. وإذا ما قورن هذا التراجع الكبير في الإستهلاك والإستيراد بالتكاليف والأعباء المادية فيصبح الإقفال أربح على الكثير من العاملين أو المستفيدين من هذا القطاع”. وبحسب نعمة فان “سعر كيلو اللحم المبرد يتراوح بين 4.3 دولارات و7 دولارات اميركية، او ما يعادل بسعر الصرف اليوم رقماً يتراوح بين 100 و160 ألف ليرة. الأمر الذي دفع بالعائلات إلى تخفيض استهلاكهم بأكثر من 90 في المئة، ومن كان يأخذ كيلوغراماً أصبح يطلب اليوم 50 و100 غرام بالحد الأقصى. أما لجهة المستقبل القريب فان العلاقة عكسية مع سعر الصرف، حيث كل ارتفاع في سعر صرف الدولار سيؤدي حكماً إلى تراجع الإستهلاك وبالتالي الإستيراد”.
على يمين الكماليات
على الرغم من تصنيفه على يمين الكماليات، يبقى قطاع الألعاب واحداً من القطاعات التجارية التي شهدت نهضة كبيرة خلال سنوات ما بعد الحرب وحقق قفزات كمية ونوعية. إلا أن “تدني القدرة الشرائية عند المواطنين أثّر بشكل كبير على كمية استهلاك الألعاب”، يقول رجل الأعمال والشريك في متاجر JouéClub وائل سنو، “الأمر الذي دفعنا إلى إيجاد وسائل جديدة للتكيف مع الواقع من خلال استيراد الالعاب الأقل ثمناً مع مراعاتنا لعنصر الجودة، وتخفيض هامش الربح. وهذان الأمران لا يقتصران على قطاع الألعاب بل إن أي قطاع يريد الإستمرار عليه التضحية بجزء من الأرباح التي كان يحصلها قبل الأزمة”. ومع هذا فقد تراجع حجم قطاع الألعاب بحسب سنو بين 50 و60 في المئة. والتحدي الأكبر الذي ينتظر القطاع على مفرق الإقفال هو استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار. فـ”ما نبيعه مساء على سعر 20 ألف ليرة نشتري به دولاراً بعد يوم أو يومين على سعر 23 ألفاً”، يقول سنو. و”بذلك نكون قد خسرنا 20 في المئة فقط بسعر الصرف. وعلى هذا المنوال فان ارتفاع سعر الصرف يشكل التهديد الأكبر على هذه المصلحة التي أصبح يتراوح هامش الربح فيها بين 25 و28 في المئة”. وبرأي سنو فان التحدي الثاني هو المحافظة على ما بنيناه في هذا القطاع خلال السنوات الماضية وارتقينا به إلى مصاف الدول الاجنبية والاوروبية لجهة التنوع والجودة والأسعار.
بهجة العيد المفقودة عند الأهالي، ترافقها نغصة عند التجار واصحاب المؤسسات الذين يشهدون فصلاً حزيناً من فصول إقفال مؤسساتهم.