IMLebanon

تزوير وتقليد “يهشّلان” رأس المال

 

فوضى في الأسواق وضعف في الرقابة

وجد محترفو الغش التجاري في لبنان مرتعاً ممتازاً لتوسيع دائرة أعمالهم، وإغراق البلاد بآلاف السلع المغشوشة وغير المُطابقة للمواصفات والمقلّدة، تتسرب الى الأسواق، عبر محلات البضائع الرخيصة، التي انتشرت بشكل كبير في مختلف المناطق وتلقى رواجاً واسعاً. وقد شهدت تجارة تلك المواد انتعاشاً كبيراً بسبب تصاعد معدلات الفقر والبطالة وتدهور الليرة مقابل الدولار، ما هيّأ المستهلكين، بشكل غير مباشر، لشراء المُنتج الأقل سعراً فيما تعاني الأجهزة الرقابية من نقص في طواقمها لا يعفيها من بعض التقصير.

 

لم يعد انعدام الأمن الغذائي والصحي والحياتي في لبنان مجرّد انعكاس لتداعيات الأزمة الإقتصادية والمالية التي تواجه الشعب بل تعدى ذلك ليشمل اكتساح سلع غير أصلية ورديئة للسوق، يتم تصنيعها في ورش محلية غير شرعية تفتقد الترخيص وتمتهن التزييف، إذ أنها تعتمد أسلوب طبع أكياس وعبوات مطابقة للمنتجات الأصلية، من دون أن تلتزم بأية إجراءات أو اشتراطات صحية وتخلط “الملح” أو “البوتاس” أو بعض المواد غير المفيدة ببعضها البعض وتعبّئها على أنها أصلية بحيث لا تكون تحت أعين الرقابة خصوصاً في ما يتعلق بتاريخ صلاحية الاستهلاك. أما الأفظع فهو أنها لا تُوضع فقط في محال “الأبو رخوصة” بل تُباع أحياناً كمنتجات مقلدة على أنها أصلية بسعر مرتفع، وتوهم المشتري بأنها ذات جودة عالية!

 

حتماً “للإرهاب يد”

 

أكّد رئيس “جمعية حماية المنتجات والعلامات التجارية في لبنان” والمالك الشريك في دار “منشورات صادر الحقوقية” المحامي راني صادر لـ”نداء الوطن” أنه “ووفقاً لتقرير تقييم تهديد جرائم الملكية الفكرية الأول على مستوى الاتحاد الأوروبي، تبيّن أن معظم الأنشطة الإجرامية التي تنطوي على التزوير والغش في السلع، يتم تنفيذها من قبل “شبكات الجريمة المنظمة” ذات الاحتراف المتزايد. أو بكلام أكثر سلاسة، عندما يشتري أي شخص بضاعة مغشوشة أم مزيّفة هناك احتمال مرتفع جداً (يصل إلى نحو 80% إن لم يكن أكثر) أن تكون وراءها مجموعة من الخارجين عن القانون، أو مجموعة إرهابيين، أو مجموعة ما تبحث عن تمويل لنشاطاتها. كما ويشير التقرير إلى أن العديد من مجموعات الجريمة المنظمة هذه، في معظم المرات، تكون متورطة أيضاً في أنشطة إجرامية أخرى، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات والتهريب والإرهاب وتبييض الأموال وأحياناً الاتجار بالبشر. وعليه، نؤكد أنه كلما ازدادت البضائع المزيفة والمغشوشة في لبنان، كلما كان ذلك مؤشراً أن للإرهاب أذرعاً فيه”.

 

أعطى صادر أمثلة عديدة تؤكد أقواله فقال: “في حين أن مخاطر التزوير قد تكون بالدرجة الأولى “رديئة” إلا أن ما قد لا نعرفه هو أين تذهب الأموال بعد أن يتم تداولها، والإرهاب، أولها. هناك عدة أمثلة تسلط الضوء على الروابط بين السلع المقلدة والإرهاب، فقد وجدت السلطات الفرنسية أن مهاجمي شارلي إيبدو قد مولوا هجومهم الإرهابي جزئياً عن طريق تهريب ملابس رياضية مزيفة، واستخدمت المجموعة المتهمة بتفجيرات قطارات مدريد عام 2004 عائدات بيع بضائع مقرصنة لتمويل أنشطتها كما وجدت السلطات الدولية مواد تدريبية “للقاعدة” تقترح استخدام سلع مقلدة لتمويل أنشطتها”.

 

ويتابع صادر “وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن الأسباب الرئيسية وراء تركيز معظم الخارجين عن القانون على “تزييف السلع وطرحها في الأسواق” هي أنها قليلة المخاطر، وسريعة النتائج وتضخ أرباحاً كبيرة وصافية. ما يحصل اليوم من انفلات في الأسواق هو بالحد الأدنى جريمة منظمة، إذ غالباً ما يتم التعامل مع “تقليد البضائع وتزييفها” باعتباره أولوية ثانوية بعد تهريب المخدرات والأسلحة والبشر. وللوهلة الأولى، قد يُنظر إلى هكذا نشاطات على أنها ليس لها سوى تأثير ضئيل، أو أنها تضر فقط بالعلامات التجارية الفاخرة إلا أنها في الحقيقة أموال منهوبة، فوفقاً للعديد من الدراسات يعد التقليد وتزييف السلع، أكثر قطاعات الجريمة المنظمة ربحاً أو ثاني أكثرها ربحاً، إلى جانب الاتجار بالمخدرات. ولكن هناك حاجة أيضاً إلى زيادة الوعي بالمشكلة، حيث إنه من غير المرجح أن يشتري المستهلكون المنتجات المقلّدة إذا كانوا يعرفون إلى أين تذهب أموالهم، وربما يكون اللبناني اليوم، الفقير بشكل خاص، يموّل من دون دراية وعن قلة حيلة خارجين عن القانون ومجرمين منظمين يستغلون أزمته ويؤذونه أولاً في البضاعة السيئة وثانياً في أنهم يُشركونه في أعمالهم التي من المرجح أن تكون ذات طبيعة إرهابية”.

 

وتقول الأرقام إنه في نيسان 2016، حددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية (EUIPO) القيمة العالمية للواردات المزيفة والمقرصنة بمبلغ 461 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل 2.5 في المئة من الواردات في جميع أنحاء العالم. كما يبلغ الرقم بالنسبة لأوروبا حوالى 85 مليار يورو، أو 5 في المئة من الواردات الأوروبية.

 

المحاكم تضجّ بقضايا الغش

 

شرحت الخبيرة في اقتفاء المواد المقلدة والمزورة كوكب سنو لـ”نداء الوطن” أن هناك عدة أنواع من “الغش والتهريب والتزوير في البضائع، بعضها يطرح مواد شبه مطابقة “الواناً واسماً وشكلاً” في الأسواق، بحيث تحتوي السلع المقلّدة على علامة تجارية أو على شعار يطابق تماماً علامة تجارية لسلعة أخرى أو لا يمكن تمييزه عنها بشكل واضح. تحاكي ميزات العلامة التجارية للمنتج في محاولة لتصوير نفسها على أنها منتج أصلي لمالك العلامة التجارية “بدل جبنة بوك – جبنة بارك، بدل حليب نيدو – حليب لينو، بدل الفازلين – ميرولين وغيرها”. كما يتم التقليد أحياناً بشكل مطابق تماماً بالشكل والإسم، ولا يمكن معرفة المنتجات المقلّدة اطلاقاً إلا عبر التدقيق جيداً، إذ تقوم باستنساخ كامل متكامل لأسماء أو علامات لشركات أو مؤسسات ولكن تكون البضاعة جد رديئة” وتتابع “بتنا نسمع من الناس كلاماً كـ”ملاحظين أنه صارت السلعة الفلانية مش باب أوّل” أو “ليش هيك صاير” بالسلعة الفلانية أو “عم يبعتوا لنا زبالة السلع”، وهو فعلياً، غير دقيق، بل إن ظاهرة الغش في السلع والخدمات، سواء كان في الغذاء أو الدواء أو قطع غيار السيارات أو مواد التجميل أو الملابس أو ألعاب الأطفال، أصبحت متعددة النواحي وموجودة بكثرة في لبنان حيث تضررت مئات السلع والعلامات التجارية من تنامي الاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية لسلعها ومنتجاتها”.

 

وختمت سنو “أنصح المستهلكين باعتماد الشراء من الهايبرماركت الموثوق بها التي تستقدم المنتجات بشكل مباشر من الموزعين الأساسيين. أو شركات السيارات أو شركات الكهربائيات المعروفة فالمواد المغشوشة قد تسبب التسمم أو الأمراض الجلدية أو في الكهربائيات مثلاً الحرائق، كما أن شراء قطع غيار السيارات المقلدة يسبب الحوادث!”

 

بدورها اعتبرت رئيسة قسم الملكية الفكرية في شركة “صادر ومشاركوه محامون ومستشارون قانونيون” المحامية نسرين حداد في حديثها لـ”نداء الوطن” أنه وفي ظل مؤشرات مخيفة حول تنامي هذه الظاهرة، أصبحت هذه السلع وفق بيانات حديثة، تستحوذ قسماً كبيراً من حجم التجارة في لبنان وهي أحد الأسباب الرئيسية في مغادرة رأس المال وإيقاف التوسع في الإنتاج الصناعي وانخفاض سعر العملة المحلية وهو بمثابة كابوس للقطاع الخاص الرسمي الذي يحذر، عبرنا كأبرز منظمة حقوقية تمثله، من خطورتها على الاقتصاد الوطني” وأوضحت أنه “كما ارتفعت معدلات التزوير، ارتفعت أيضاً الملاحقات الأمنية” مؤكدة ان هناك تعاوناً كبيراً بين القوى الأمنية وبينهم وأنهم يقومون بضبط مزورين “بشكل يومي” وأن جميع هذه الملاحقات انتقلت إلى دوائر التقاضي في المحاكم والنيابات، إذ تعج بعشرات القضايا والشكاوى من عمليات التزوير والتقليد والاعتداءات المتواصلة على حقوق الملكية في ماركات السلع والبضائع.

 

كارثة اقتصادية!

 

“غاب القط إلعب يا فار” تشرح الخبيرة والباحثة الاقتصادية ليال منصور لـ”نداء الوطن” أن أساس المأساة هو إما “قلة في الرقابة” أو “تطنيش” في الرقابة. مؤكدة أن “الغش التجاري والتزوير في المنتجات هو نشاط اقتصادي غير مشروع وأن معظم من ينخرطون في هذا النشاط لا يحققون عوائد مباشرة للاقتصاد الوطني، لأنهم يعملون خارج النظام الضريبي والجمركي وهم متحررون من أي جباية قانونية ما يُعد كارثة اقتصادية، وتنصلاً من امداد الموارد السيادية بالمال، أي أيضاً هو مال منهوب” وأضافت “إن حماية حقوق الملكية الفكرية وإنفاذ القوانين يشكلان عامل جذب للمستثمرين ولأصحاب الحقوق، ما ينعكس أثره على الاقتصاد والعكس صحيح، إن ممارسات كهذه لا تؤذي المواطن بشكل مباشر فحسب بل تأكل من موارد اقتصاده، لكن للأسف هناك استغلال للمواطن الفقير او العاطل عن العمل الذي بات يبحث عن السعر المقبول وليس عن جودة المنتج، ويظن أن ما يطرح في الأسواق من مواد رخيصة يندرج في إطار المنافسة في السوق التجارية وكسر الاحتكار وتوفير سلع غذائية واستهلاكية بأسعار مناسبة، في ظل تردي الأوضاع المعيشية”