اكتشفت متأخّراً أن اللبنانيّين مقتنعون من زمان الوصل بالأندلس، وأباً عن جد، أن رئيس الجمهوريّة يُصنَع في الخارج. ولا موجب، أو مبرّر، أو نتيجة، لأيّة جهود محليّة ليس من شأنها أن تقدّم أو تؤخّر.
لا بالنسبة إلى القرار وتوقيته، ولا لجهة اختيار الشخص الذي سيصير رئيساً. ما يقوله الخارج ينفّذه الداخل بحرفيّته: كُنْ رئيساً، فيكون رئيساً حتى قبل أن يجري الانتخاب، ويتم التصويت بأوراق سريّة في علبة خاصة ومقفلة.
اقتناعٌ سرمدي أبدي لدى كبار المسؤولين والمتعاطين الحياة السياسيّة والشأن العام، كما على مستوى الرأي العام غير المهيّأ.
والوقائع التي عايشتها، واطلعت على بعض وثائقها لاحقاً دفعتني إلى أن أدوّن ذلك كلّه، مع الأحداث والخفايا والتفاصيل من مصادر ثقة شاركت بدورها في عملية الصنع هذه.
فأدركتُ أن حجم الدور اللبناني في صنع الرئيس لا يتجاوز عملية “تنفيذ القرار” بالتصويت لمن تمّ اختياره من الخارج.
على هذا الأساس، واستناداً إلى هذه الحقائق، أعطيتُ الكتاب عنوان “من يصنع الرئيس؟”.
وكنت دقيقاً في صياغة الوقائع، والأحداث، والتفاصيل الموثَّقة بمعظمها. وكنت مطمئناً. مع أسف شديد وصدمة موجعة إلى أنني أوثِّق حكاية من صميم الواقع اللبناني.
وكم وكم وكم من مسلسل تلفزيوني، وحوارات، ومحاضرات استندت كليّاً أو جزئيّاً إلى “من يصنع الرئيس” من دون الرجوع إليّ واستئذاني، ومن دون مراجعة مني للناحلين والمقتبسين أو لومهم.
بيت القصيد ليس هنا. فدول متعدّدة الحجم والوزن مرّ مصنعها الرئاسي بلبنان. بدءاً من الأم الحنون، بلوغاً الولايات المتحدة الأميركية، مروراً ببريطانيا التي كانت عظمى، وصولاً إلى سوريا والوصاية الشاملة عبر وصيّ تنَكَّبَ مهمة المفوض السامي، طبعاً مع حفظ الألقاب والمفارقات، وما لا تنساه الفيلّا غير المتواضعة في عنجر، وما لا تنسى جدرانها ما رأت وسمعت ودُهشت.
اليوم أُعطيَ مجدُ دور صنع الرئيس لإيران، التي وسّعت نطاق المهمة، وأضافت إلى “عملية الصنع” صفة المساهمة في إنجاز الاتفاق النووي. وقد كان لطهران ما أرادت…
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تدخّل، وطلبَ، وألحَّ، وكان سيطلب ويلحُّ على الرئيس الإيراني في الاجتماع الذي ألغي إثر المجزرة “الداعشية”… ولكن، من غير أية نتيجة أو جدوى.
الرئيس الأميركي باراك أوباما سأل بدوره عن مصير الاستحقاق الرئاسي، إنما من غير أن يلقى جواباً.
مجلس الأمن لفت الأنظار، وحذّر من أن الفراغ في رئاسة الجمهوريّة يلحق ضرراً وخطراً كبيرين بلبنان…
ولكن، على اللبنانيّين، على القادة والزعماء الجَهْوَريّي الأصوات، أن يوجّهوا كلمة ما، صوب الوصي الجديد، فلعلّ وعسى.
غير أن الرأي العام اللبناني لا يزال عند حسن ظنّ سعيد تقي الدين.