لا ندري ونحن في مطالع أسبوع آخر من حلقات الافلاس السياسي اللبناني العارم والانكشاف غير المسبوق اطلاقا ولا حتى في أزمان الحروب ما اذا كان اللبنانيون، لا القادة والزعماء والسياسيون حتما، لا يزالون يقيمون اعتبارا لذكرى الأصول الدستورية والرقابية التي تحاسب الساسة وتقيم الحد الفاصل للمحاسبة بإزاء كوارث او فضائح من النوع الوطني العام . نقول “ذكرى” لان الأصول الرقابية صارت، مع المصير البائس التعيس والدراماتيكي الذي مني به لبنان جراء افتضاح طبقته السياسية وانهيارها، من “بالات” النفايات قبل كارثة فيضان القمامة على لبنان. ولو ظل للأصول والمحاسبة والمراقبة الحاسمة المتجردة مكان ما في ثنايا هذا البؤس الاخلاقي والسياسي لما كنا نعيش ما استحال تخيله على اخصب المخيّلات الهوليودية حيال مأساة بلد.
مضت أسابيع وقد تمضي أخرى على انفجار كارثة النفايات ونحن “نبصم بالعشرة” على ان اي لبناني لا يعرف ولن يعرف ويستحيل ان يعرف او ان يحدد مسؤولية بعينها عن الكارثة سوى ذاك المهرجان الهزلي الجاري اسماعه او عرضه او توزيعه بتعميم لا يطاول مسؤولا. بل الأسوأ انه حين يجري تعميم المسؤولية على الحكومة الحالية والحكومات السابقة ومعها وزراء او شركات او مقاولين بالجملة فان ابسط الخلاصات التي تؤدي اليها عملية تجهيل الفاعل هي ان يحمي الجميع الجميع. وهي قاعدة ذهبية “تاريخية” تعرفها البلدان التي عاشت انهيارات اقتصادية ومالية جراء اكتساحات الفساد العارمة مثل لبنان سابقا وربما في المدى “الموعود” الآتي وكذلك اليونان. ولا نغالي ان قلنا ان الانتهاك المنهجي للأصول الرقابية الصارمة تحت عصف الصراع السياسي الطويل أدى الى الإطاحة تماما بهيكليات الرقابة الى حدود اسقاط ضمان المواطن اللبناني في المحاسبة من داخل الحكم والمؤسسات.
تتصاعد الآن نغمة لوم اللبنانيين لأنهم لا يحاسبون ساستهم وزعاماتهم بل يطوبون عروشهم الابدية. وحتى لو اصابت هذه النغمة قلب الحقيقة تغدو بدورها تغطية خبيثة للمسؤوليات الجرمية الكاملة المواصفات في شل أصول المحاسبة عن كارثة بهذا الحجم. يجري الآن “غسل” ممارسات العدوان المتمادي على النظام كما تجري التعمية عن المستور الفادح وراء الكارثة. كل الهيكل السياسي اذن هو في قفص الاتهام بلا استثناء حتى الذين لم يتورطوا حتى ثبوت العكس. وإلا فما معنى الصمت الهائل المخيف وابتلاع الألسن عن تحريك أصول قاطعة لوضع هذه الكارثة على مشرحة المحاسبة؟ هل نسيتم ان في الأنظمة الديموقراطية الحقيقية وفي النظام اللبناني وتجاربه القديمة والحديثة لجان تحقيق برلمانية ذات صلاحيات قضائية؟ لماذا لم يصدر صوت يتيم ينادي في وحشة النظام والاصول بتشكيل لجنة تحقيق؟ لاننا نعرف وتعرفون البئر وغطاءه!