يتردد على شاشات التلفزة اللبنانية اعلان طريف وظريف يتناول أزمة السير في لبنان، وينتهي بتوجيه نصيحة الى المشاهدين تقول بعبارة بسيطة ما معناه: التزم بقانون السير وما تحطّ الحق عَ الغير. ولعلّ هذه النصيحة هي الأفضل لمواجهة المرحلة الجديدة التي بدأت بالمفاجأة المدوية التي أحدثتها استقالة الرئيس سعد الحريري، وبالأسلوب الذي تمّ تقديمها به. وقبل انفتاح شهوات المحللين على اجتهادات التفسير وإلقاء التهم على الغير في كل الاتجاهات المتعارضة، يجدر بالجميع التزام نصيحة الالتزام بقانون السير السياسي، ليس كما هو حاصل في لبنان منذ الاستقلال، بل بما يجب أن يكون عليه، وفشل لبنان في تحقيقه حتى الآن!
***
ما حصل، مهما بلغ من الغرابة، يمثل أولا وأخيرا ادانة للنظام اللبناني قبل التفكير بالتنصل من المسؤولية وإلقاء الحق على الغير. وسبقت ذلك سلسلة من المفاجآت المدوية التي ذهب ضحيتها لبنان واللبنانيون، ولكن الطقم السياسي المتناسل في توارث السلطة لم يتعلم الدروس منها، سواء بعد التعثر في تداول الحكم على مستوى رئاسة الدولة، أو على مستوى رئاسة الحكومة، أو على مستوى ادارة الدولة بشكل عام، أو حتى على مستوى السقوط في المحظور وقيام حرب داخلية مدمّرة كما حدث في الهزيع الأخير من القرن الماضي. ولم يبادر اللبنانيون الى اصلاح هذا النظام الذي لا يزال في جوهره وكأنه امتداد لحكم القناصل بسبب نظامه الطائفي والمذهبي، وغياب النظام المدني الذي يوجه الولاء الوطني الى الداخل أولا وأخيرا.
***
على الرغم من كل هذا العصف الداخلي الذي أحدثته استقالة الحريري، فان المشكلة الحقيقية هي في عمق المنطقة وليست في لبنان. وجريا على عادة السير بين النقاط، سيواجه لبنان هذه الأزمة ويتجاوزها في يوم، في شهر، في سنة، ولكنه سيتجاوزها. وليس في الأفق المنظور أية مخاوف من صدام داخلي، أو من تأثيرات سلبية عميقة على الليرة اللبنانية. أما الخوف الآخر الأعظم من اندلاع حرب جديدة بعدوان اسرائيلي جديد على لبنان، كما يشاع أو يروّج له في الحرب النفسية، فهو غير وارد أيضا في المدى المنظور. وقرار الحرب ليس اسرائيليا صرفا بل هو في الأصل قرار أميركي. وجنرالات الحرب الأميركيون يقولون ما معناه: لماذا نزجّ أنفسنا في الحرب، عندما نجد كثيرين يقومون بهذه الحرب بالنيابة عنّا؟!