Site icon IMLebanon

لجنة روسية – أميركية لرسم معالم سوريا الجديدة دستوراً وحكومة

إنتقال السلطة بند أول في 13 الجاري.. ومصير الأسد بند تفصيلي للوقت المناسب

لجنة روسية – أميركية لرسم معالم سوريا الجديدة دستوراً وحكومة

أنقرة تردّ بالورقة القوقازية لحماية أمنها ولمنع موسكو من إضعاف تأثيرها على الساحة السورية

مع انتهاء الجولة السابقة من محادثات جنيف غير المباشرة بين وفدي النظام والمعارضة في سوريا، طالب الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا بأن تكون المحادثات المقبلة واقعية بالنسبة لمسألة «عملية الانتقال السياسي». فهذا العنوان أضحى بنداً أول في جدول أعمال الجولة المقبلة التي تبدأ في الثالث عشر من الجاري. ورغم أن محادثات دي ميستورا الموازية مع القوى الراعية والمؤثرة تهدف إلى تلمّس مدى جدّيتها ورغبتها في تحقيق نتائج ملموسة خلال هذه الجولة، فإن مساحات التسويف وكسب الوقت، تحسيناً للمواقع التفاوضية لكل طرف، قد بدأت تضيق بعدما تحوّل البحث في «عملية الانتقال السياسي» واقعاً لا بد من مقاربته، وإن كان متوقعاً ألا تكون عملية سهلة مع الاختلاف الجذري في الرؤى حيال شكل الهيئة والمهام المنوطة بها ودور رأس النظام في تلك المرحلة الانتقالية.

وفيما مباحثات جنيف تتركز على هذا العنوان، فإن بحثاً آخر يتم بالتوازي حول شكل الدستور الجديد الذي سيَرسُم معالم سوريا المستقبل. وفي المعلومات المتوافرة، فإن فريقي النظام والمعارضة قدّما لكل من موسكو وواشنطن مقترحات حول التعديلات المطلوب إدخالها على الدستور الجديد. وقد تمّ تشكيل فريق عمل روسي – أميركي للعمل على مسوّدة المشروع الذي تريد واشنطن أن يكون مُنجزاً مع حلول آب المقبل، فيما يتوقع الروس أن يأخذ وقتاً أطول من الموعد المقترح أميركياً.

وفي رأي متابعين للموقف الروسي، فإن اهتمام موسكو يتركز على أهمية بلورة خارطة الطريق لجهة «الهيئة الانتقالية» وإنجاز الدستور لتبيان معالم المرحلة المقبلة من مستقبل سوريا نظاماً ومؤسسات، بحيث يتحوّل فيها أي كلام عن مصير الأسد بنداً تفصيلياً مع تبلوّر البدائل للنظام الراهن ورئيسه، وهو ما يُفسّر كلام الناطق باسم مكتب الرئيس الروسي من أن ليس هناك حالياً بحث في مصير الأسد، الأمر الذي يعني أن المسألة ستُطرح على الطاولة حين يتم إنجاز الخطوات الآيلة إلى منع تكرار التجربة العراقية حيث جرى إسقاط النظام وحل المؤسسات، ولا سيما المؤسسة العسكرية، ما أدى إلى إغراق العراق في فوضى شاملة لا يزال يُعاني منها، منذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين مع الغزو الأميركي لهذا البلد قبل 13 عاماً.

وأدى التوافق الأميركي – الروسي حيال تثبيت وقف الأعمال العدائية بين قوات النظام وحلفائها من جهة، وفصائل المعارضة المنخرطة في العملية السياسية من جهة أخرى، والمدعوم دولياً، والذي أظهر قدرته على الصمود رغم الخروقات التي تُسجّل، إلى تحوّل العمليات القتالية نحو «داعش»، حيث يتصارع الطرفان في حربهما ضد التنظيم، وتحرير المناطق التي يُسيطر عليها، ففيما استعادت قوات النظام مدينة تدمر، بدعم روسي – إيراني، تعمل فصائل المعارضة على تحرير مناطق تمدّد «داعش» على الحدود مع تركيا، بدعم تركي – أميركي.

فالحرب على «داعش» أصبحت، وفق المتابعين، عنوان المواجهة المقبلة بين القوى الإقليمية على ضفتي النظام والمعارضة، وهي المواجهة التي تتطلب، بإقرار واشنطن وموسكو، تدخلاً برياً لهزيمة التنظيم الذي أخذ يضرب خارج حدود الإقليم، واتسع خطره عالمياً.

وفيما يتصاعد الحديث عن دور مُرتقب للتحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية تحت مظلة التحالف الدولي ميدانياً عبر قوات برية، فإن إعلان طهران عن إرسال قوات نظامية إيرانية إلى سوريا يندرج، حسب رأي المراقبين، في إطار خلق نوع من التوازن المستقبلي إذا ما دخلت قوات عربية وإسلامية.

وفي هذا السياق، تتّجه الأنظار إلى النتائج التي ستترتب على زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة بشأن ترسيخ البُعد الاستراتيجي لموقع مصر ودورها في المنطقة، وإمكان ترتيب «البيت الإسلامي» في ظل العلاقات المتوترة مع تركيا، ذلك أن التعويل على الثقل المصري في التحالف الإسلامي يحتاج إلى بلورة حل الملفات الخلافية بين القاهرة وأنقرة، وفي مقدمها ملف الإخوان المسلمين، فضلاً عن إيجاد مساحة تَـقارُب حيال النظرة إلى المسألة السورية.

على أن ثمة تطوراً لافتاً طرأ على المشهد الروسي – التركي تمثل بتجدّد النزاع بين أذربيجان وإقليم ناغورني كارباغ الواقع تحت سيطرة أرمينيا، حيث اشتعلت اشتباكات على الحدود هي الأكبر منذ الهدنة بين الطرفين في العام 1994، وهي اشتباكات تعكس التوتر بين أنقرة وموسكو، حيث أن تركيا تدعم أذربيجان، فيما روسيا تدعم أرمينيا في هذا الصراع الدائر في القوقاز، والذي يندرج في رأي عارفين بالشؤون الروسية في سياق فتح جبهة استنزاف جديدة لروسيا تضاف إلى جبهة أوكرانيا، لكن الخطورة - وفق هؤلاء - أن تداعي تدهور الموقف في هذا الإقليم لا بدّ له من أن ينسحب على مناطق أخرى في القوقاز، وهو أمر سيؤرق الكرملين.

هذا التطور لا يمكن فصله عن الدور الروسي في سوريا ودعمها المُعلن لـ «حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه تركيا حزباً إرهابياً، وجناحه السوري المتمثل بحزب «الاتحاد الديمقراطي»، وما تشهده تركيا من عمليات تفجير يتبناها «المتمردون الأكراد»، وتعتبر أن أيادي روسية تحرّك الخلايا الكردية لتلك «الأعمال الإرهابية» التي تضرب باستمرار الداخل التركي، ما يُشكّل مساً بأمنها القومي فضلاً عن الدعم السياسي والعسكري الروسي للأكراد ومشاريعهم «الاستقلالية»، سواء في سوريا أو تركيا.

مشهد سيترك تداعياته على الساحة السورية، إذ أن محاولة روسيا كف يد أنقرة وتأثيرها عن تلك الساحة لم تكن سوى حسابات خاطئة، في رأي دبلوماسي تركي، نظراً إلى أن تأثير أنقرة لا يمكن الحد منه انطلاقاً من البُعد «الجيوسياسي» الذي يحكم التوازنات الدولية في كل مكان.

ن.