«لجنة النفايات» ترفض تحمّل المسؤولية أمام مجلس النواب!
«الاتصالات»: شركات إنترنت تسرق الخزينة وتكشف أمن اللبنانيين
لا يحتاج المواطن إلى أدلة على غياب الدولة، لكن تأثيرات غيابها صارت ثقيلة الوطأة. تتراكم الملفات ويبقى عنوانها واحدا: السلطة فاسدة ومستعدة للتضحية بحياة الناس وصحتهم وأمنهم ولقمة عيشهم، في سبيل الاستمرار في تسخير مقدرات الدولة للمصالح الشخصية.
يصعب إحصاء عناوين الفساد لكثرتها، لكن مجلس النواب قدم، أمس، عينة عن فساد السلطة، مستعيداً بعضاً من صلاحياته، بعد تمديدين وسنتين من الشغور الرئاسي مترافقتين مع شلل تشريعي. أعاد التذكير أن للمجلس صلاحية مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، وهي صلاحية، إذا ما احترمت، قادرة على تصويب أدائها، أو على الأقل، ضبطه.
وإذا كان ملف النفايات قد حط رحاله، أمس، للمرة الثانية في لجنة المال والموازنة، مرفقاً بمزيد من استهتار الحكومة، فإن لجنة الاتصالات أضاءت، مجدداً، على الخروق التي تواجه قطاع الاتصالات من قبل الشركات التي تستغل غياب الدولة لتحقيق أرباح طائلة على حساب الخزينة اللبنانية.
وإذا كانت خسائر الخزينة هي النتيجة المباشرة لظاهرة الانترنت غير الشرعي، فإن الخسائر الأكبر والأخطر تبقى في قدرة هذه الظاهرة على استباحة أمن اللبنانيين وكشف بياناتهم أمام جهات خارجية، لا أحد يضمن عدم وصولها إلى إسرائيل.
كانت الجلسة مخصصة، في الأساس، للإضاءة على جديد قطاع الانترنت وشبكات الألياف الضوئية وتبيان ما تقوم به الوزارة بغية تطوير القطاع والعراقيل التي تعترض ذلك، حيث عرض وزير الاتصالات بطرس حرب جدولاً يبين تطور خدمات الاتصالات بين العامين 2013 و2015، واضعاً اللجنة بأجواء خطة 2020 لتطوير القطاع. لكن وقبيل رفع الجلسة، سُئل حرب عما إذا كان يوجد موزعون للانترنت غير الموزعين الـ112، الذين أعلنت الوزارة عنهم في جدول «المؤشرات العامة لقطاع الاتصالات»، فكان الجواب بالإيجاب. عندها انهالت الأسئلة على حرب، الذي أشار إلى وجود محطات إرسال ضخمة في الجبال غير قانونية وغير خاضعة لرقابة الدولة يعمل أصحابها من خلالها على شراء سعات دولية من خارج الشبكة اللبنانية ثم بيعها إلى المشتركين اللبنانيين بأسعار مغرية.
أخوات «شبكة الباروك»
أعادت المعلومات التي كشف عنها «شبكة الباروك» إلى ذاكرة النواب، فالتقنية هي نفسها والأسلوب هو نفسه، و «الشبكات مماثلة»، كما قال رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله، الذي فضّل عدم استباق التحقيقات، مكتفياً بالتأكيد أن هناك مخاطر حقيقية. وإذا كانت «شبكة الباروك» قد فككت، فقد تبين أمس أنها فرخت في أكثر من مكان، فأعلن حرب، على سبيل المثال، عن وجود عمود إرسال مجهول في جرود تنورين، فيما أشار رئيس «أوجيرو» عبد المنعم يوسف إلى وجود شبكة أخرى في «جرد النجاص» في الضنية، علماً أنه تردد عن وجود شبكة أخرى في صنين وكذلك في الزعرور.
وقد أشار حرب لـ «السفير» إلى أن الشركات المرخصة قدمت شكوى إلى الوزارة منذ نحو شهر، تتهم فيها عدداً من الشركات بالمنافسة غير الشرعية، من خلال تزويد السوق بخدمات الانترنت بطريقة مخالفة للقانون، كونها لا تشتري سعات الانترنت من «أوجيرو» بل من خارج لبنان.
وقد أعلن حرب أن الوزارة بدأت عندها بإجراء تحقيقاتها التقنية، حيث تبين بالفعل وجود هذه الشبكات، مشيراً إلى أن التحقيقات ستستمر حتى تبيان كل التفاصيل المتعلقة بالشركات وأصحابها. كما أوضح حرب أنه أبلغ الأجهزة الأمنية المعنية بالواقعة، أضف إلى تقديمه شكوى إلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية للتحقيق بالمخالفات. وهو ما يعني عملياً أن الملف وضع على سكة التحقيق الأمني والتقني والقضائي، حيث يفترض أن تعود الوزارة بعد مدة إلى إظهار نتائج التحقيقات.
صحيح أن الوزارة كشفت أمام النواب ما يجري، لكن العاملين في القطاع يعرفون أن الأمر ليس جديداً، خاصة أن «أوجيرو» قامت منذ مدة بإجراء تسوية مع مقدمي الخدمات غير المرخصين، من خلال ضمهم إلى شبكتها وإدخال المشتركين معهم في الإحصاءات الرسمية. لكن مصدراً مطلعاً يؤكد أن المشكلة أكبر مما يتوقع البعض، مشيراً إلى أن هنالك 12 شركة انترنت مرخصة معنية بالمحطات الموجودة في الجرود، تشتري سعات بسيطة من «أوجيرو»، ثم تشتري الكمية الأكبر من قبرص وتركيا بأسعار رمزية، واعتماداً على الشبكات واللواقط والصحون والأعمدة الموصولة هوائياً بين هذين البلدين ولبنان.
وتشير التقديرات المتداولة إلى أن هذه العمليات غير الشرعية تكلف الخزينة ما يزيد عن مليوني دولار شهرياً. وإذا كان يمكن تقدير الضرر الاقتصادي التي ينتج عن عمليات البيع غير الشرعية للانترنت، فإن الجانب الأمني هو الأخطر، حيث لا معلومات واضحة عن حجم القرصنة الذي تتعرض له بيانات المشتركين اللبنانيين، في ظل مساع إسرائيلية لا تهدأ لاختراق الشبكات اللبنانية بكل الطرق الممكنة، علماً أن أكثر من علامة استفهام طرحت عن أسماء المؤسسات والشركات التي تتعامل مع هذه الشبكات غير القانونية، التي لا تتردد بتقديم خدماتها مجاناً أحياناً.
وإذ اكتفى رئيس اللجنة بالإشارة إلى أن هذه الشبكات قد تكون مخترقة من قبل العدو الاسرائيلي، او حتى من قبل اي جهة تريد ان تتجسس على لبنان، لكنه سأل سؤالاً محورياً يمكن للإجابة عليه أن تكشف الكثير من ألغاز القضية: كيف يمكن ان يتم تركيب شبكات كبيرة واعمدة ارسال ضخمة في بعض المناطق اللبنانية ثم تقوم بتزويد المواطينن والمؤسسات بخدمة الانترنت من دون أن تكشف؟
«الإنماء والإعمار»: بريء من النفايات
من لجنة الاتصالات إلى لجنة المال. أسئلة ظلت بلا إجابات. لكن إذا كانت وزارة الاتصالات قد ابدت استعداداً للتعاون مع اللجنة، وقد حياها حرب لأنها ذكرته أن «هناك مجلس نواب ولجان نيابية تسأل الحكومة ماذا تفعل»، فقد كان التعاون الوزاري مع لجنة المال معدوماً. والاستخفاف هنا لم يطل المجلس النيابي، السلطة الأعلى فحسب، إنما كل مواطن يعاني من كارثة النفايات، التي أكدت أن الحكومة، وقبل أن ينفذ رئيسها تهديده بالاستقالة، هي في حكم المستقيلة من كل مسؤولياتها. ببساطة، وبلا خجل، لم يحضر إلى الجلسة أي وزير، بالرغم من أن رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان قد وجه دعوات إلى كل أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة معالجة ملف النفايات، أي إلى الوزراء أكرم شهيب، ارثيور نظاريان، ميشال فرعون، علي حسن خليل، حسين الحاج حسن، نهاد المشنوق، نبيل دو فريج والياس بو صعب. علماً أن الغياب بدا بمثابة رسالة احتجاج على تحميلهم مسؤولية ما آل إليه ملف النفايات، بالرغم من أن الحكومة، ومن خلفها اللجنة الوزارية هي الجهة المعنية قانونياً ودستوريأ بكل القرارات التي اتخذت في الملف، بدءاً من المناقصة الفاشلة إلى المطامر المتعثرة، فالترحيل المزور، قبل العودة إلى المطامر التي يبدو أنها ما تزال متعثرة.
وإذا كان أعضاء اللجنة قد توقفوا عند الشكل، حيث يفترض باللجنة أن تدعو الوزراء المعنيين، أي وزراء البيئة والمالية والداخلية، إلا أنه لم يحضر أحد منهم، خاصة أن الدعوة لم توجه إلى اللجنة بصفتها المعنوية، بل وجهت إلى الوزراء شخصياً، بعدما أعلم كنعان، على ما أكد، رئيس الحكومة، بأنه ينوي دعوته.
وقد علق الوزير أكرم شهيب على الدعوة بالقول لـ«السفير» إنها سابقة غير مألوفة أن تدعى لجنة وزارية بأكملها. وإذ وضع الأمر برمته في أطار المزايدات، قال إن اللجنة تناقش مسألة عقود «سوكلين» ونحن لا علاقة لنا بالماضي، أما بالنسبة للحاضر فلم تكتمل المعطيات بعد.
أكمل كنعان الجلسة في غياب الحكومة، التي حملها رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر مسؤولية 20 عاماً من العقود المشكوك بها مع «سوكلين» وأخواتها، والتي كانت تجدد كما هي ومن دون أي تعديل. وقدم مجلس الإنماء والإعمار للجنة كل العقود التي وقعت مع شركات النفايات منذ منتصف التسعينات وحتى 2015، مرفقة بالمراسلات التي كانت تجري بينه وبين الحكومات المتعاقبة، جازماً أن المجلس كان ينفذ قرارات الحكومة واللجان الوزارية لا أكثر. أما كنعان، فأعلن أنه «لا يهمني من يرضى او يزعل او من يعتبر ان هناك مخالفة بالشكل، هذا شأنه، انما هذه الكارثة الوطنية بالحجم الذي بلغته، لم يعد مقبولا ان نبقى مكتوفي الايدي امامها ونتفرج».