حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بزيارته تركيا، في توقيت يتقاطع مع موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء.. لتغيب الجلسة وتنجو الحكومة من «قطوع» مواجهات عالية السقف بين وزراء «أمل» و»التيار الحر»..
لا يختلف اثنان، على ما آلت اليه العلاقات بين الرئاستين الاولى والثانية، أدخل البلد في نفق مظلم، ان لم يبادر المعنيون الى اتخاذ مواقف تسحب فتائل التفجير من الشارع، ومن الاعلام التحريضي المتبادل، خصوصاً، وأن المسألة من أولها الى اخرها، لم تكن تستحق كل هذا الذي حصل وما يمكن ان يحصل بعدما بلغت شظايا «فيديو باسيل» في وجه الرئيس بري الشارع «الاملي»..
لن تنجو الحكومة من التداعيات – وان كانت الرسالة وصلت عبر عدم انعقاد جلسات اللجان النيابية – وان كان أكثر من مصدر يؤكد ان لا نية لأحد في اسقاط الحكومة وإن آلت الى حكومة «تصريف أعمال»، بسبب غياب «التكافل والتضامن» و»التعاون بين أعضائها، الذين قد لا يجد عديدون منهم فرصة للبقاء على «الحياد».. على رغم المحاولات «الاحتوائية» التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري، و»حزب الله» وتمثلت أخيراً بمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اعتبر «ان ما حدث علي الصعيدين السياسي والامني اساء الى الجميع وأدى الى تدني الخطاب السياسي الى ما لا يليق باللبنانيين..» مشدداً في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية على ان «ما حصل على الارض خطأ كبير بني على خطأ» وداعيا الذين أساؤوا الى بعضهم البعض الى التسامح لأن الوطن أكبر من الجميع.. خصوصاً الخلافات السياسية التي لا يجوز ان تجنح الى الاعتبارات الشخصية، لاسيما وأن من التسامح يكون دائماً بعد اساءة..». لافتاً الى ان «القيادات السياسية مطالبة بالارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية لمواجهة التحديات الكثيرة التي تحيط بلبنان، ومن أبرزها الامن والاستقرار والحفاظ على الوحدة الوطنية «وعدم التفريط بما تحقق من انجازات..».
نأى الرئيس بري بنفسه عن التعليق على ما جاء.. لكن زوار عين التينة، وخلافاً لما صدر عن النائب انور الخليل من مواقف دعت الوزير باسيل الى الاستقالة، نقلوا عن الرئيس بري تأكيده «التهدوي» ومن أنه «لن يسمح بأي شيء يهدد الاستقرار ووحدة لبنان واللبنانيين..».
لا يختلف اثنان على ان أجواء التوتر ماتزال تسيطر على البلد، جراء مضاعفات ما حصل في الشارع ليل الاثنين الماضي، وبقي بنسبة أقل ليل أول من أمس، الامر الذي أفسح في المجال لاستئناف الاتصالات الهادفة الى تهدئة الامور وضبط ما يجرى والبحث في امكانية العودة الى طاولة الحوار بهدف النقاش والتوصل مساحة أكبر من التلاقي، يقرها الطرفان ويلتزمان بها..
الواضح، ان البعض حاول الاصطياد في المياه العكرة هذه والايام والاسابيع المقبلة، ستحمل المزيد من القراءات المختلفة والمتباينة بل و»النقدية» أيضاً، لما حصل الاثنين الماضي بين مناصري «أمل» و»التيار الحر» على خلفية تهمة «البلطجة» والاعتداءات اللفظية.. التي أطلقها رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل بحق الرئيس بري.. وفي السياق يصوب عديدون باتجاه الرئيس سعد الحريري، كما وباتجاه «حزب الله» خصوصاً وأن الأخير، قد يكون أكثر من سيدفع الأثمان جراء تزعزع علاقته مع حليف مار مخايل «التيار الحر».. والذي يشكل سنداً بالغ الاهمية من خارج «الثنائية الشيعية»؟! خصوصاً وأنه مستهدف دوليا واقليميا وعلى مستويات متعددة..
ليس من شك في ان ما حصل شكل احراجاً بالغ القسوة لـ»حزب الله»، الذي واكب الازمة بين الرئاستين الاولى والثانية، منذ لحظة انطلاقتها، بكثير من «التفهم» لخصوصيات كل فريق، وكاد يحقق نجاحاً في ضبط الخلاف تحت سقف معين.. لكن الصدمة كانت كبيرة بعد تسرب «فيديو البلطجة» الباسيلي.. وقد أوفد أحد أبرز قيادييه (وفيق صفا) للقاء الوزير باسيل والوقوف منه على حقيقة ما جرى ويجري داعياً الى «ضبط الاعصاب والهدوء بأقصى ما يمكن.. ليبنى على الشيء مقتضاه..».
وعلى الرغم من غياب التنسيق والتواصل المباشر بين الحزب والرئيس الحريري، فإن في قناعة العديد من المتابعين عن كثب باتوا على قناعة ان الحزب لن يستطيع إنجاز المهمة لوحده، كما الرئيس الحريري، الامر الذي يتطلب تنسيقا ما بين الاثنين.. وهي مسألة صعبة في ظل الاستهدافات الخارجية التي يتعرض لها «حزب الله».. لكن الواضح ان الرئيس سعد الحريري مستمر في سعيه ولن يتراجع عنه بعيداً عن «الهرج والمرج» والمشاهد المؤلمة والمثيرة في الشوارع..
بالتأكيد لن يستسلم «التيار» للرئيس بري، ولن يستسلم الرئيس بري للامر الواقع وتمضي المسألة وكأنها لم تكن.. وصيغة الاعتذار المطلوبة، لم تبلع، كما ان صيغة «الخطأ يبنى على خطأ.. لم تبلع، وان رد الرئيس بري عليها بالقول «لا كلام» ولا تعليق».
وبانتظار عودة الرئيس الحريري من تركيا، فإن الملمين بنسج المخارج من الازمات عادوا الى ادارة محركات الوساطات وقد أطلق الحريري «الضوء الأخضر» عبر «المستقبل» مشدداً على «مسؤولية كافة الجهات المعنية عن ضبط هذا الفلتان الذي يسيء لصورة لبنان ويؤجج الخلافات وما تستجلبه من أضرار على السلم الاهلي في البلاد واستقرارها..».