لا شك انّ تشكيل الحكومة خلق عنصر طمأنينة، رغم كل التحدّيات التي يواجهها المواطن اللبناني. وقد انعكس ذلك تراجعاً في سعر الصرف في السوق الموازي من 19 الفاً الى حوالى 16 الفاً. فهل ينعكس هذا التراجع انخفاضاً في أسعار السلع، ام انّ هناك عوامل أخرى قد تحول دون ذلك؟
يتأرجح مصير أسعار السلع بين عاملي تراجع سعر الصرف في السوق الموازي بمقدار 3000 ليرة من جهة، وبين انعكاس تحرير أسعار المازوت من جهة أخرى، الذي يشكّل عاملاً أساسياً في الإنتاج والصناعة والتجارة، والذي حُدّد بالسعر غير المدعوم بقيمة 540 دولاراً، أي مضاعفة عمّا كان عليه سابقاً. وعليه، كفة من ستميل أكثر؟ وهل تنخفض أسعار السلع ام تستقر؟
يؤكّد نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، انّ أسعار السلع تراجعت فعلاً، متأثرة بتراجع سعر الدولار. وعزا تغلّب التراجع نتيجة انخفاض سعر الدولار، على عامل ارتفاع أسعار المحروقات، لأنّ الدولار تراجع خلال فترة زمنية قصيرة بفترة يومين، انما انعكاس ارتفاع أسعار المحروقات على تسعيرة السلع يأتي تباعاً وعلى فترة زمنية أطول، أي تدريجياً وليس مرة واحدة.
وأكّد انّه اعتباراً من يوم السبت الماضي، بادرت بعض الشركات الموردة الى اعتماد أسعار جديدة مخفضة للسلع. وبمقارنة بسيطة لأسعار السلع اليوم مع أسعار الأسبوع الماضي، لا شك هناك تراجع يتراوح ما بين 5 الى 15%، طاولت خصوصاً الحبوب التي تُسعّر بالدولار، كذلك تراجعت بعض أصناف مساحيق الغسيل، انما بنسب متفاوتة تختلف بين مورد وآخر وصنف وآخر. ولفت فهد الى انّ كل الأسعار تخضع في النهاية الى عامل المنافسة الذي يعدّ اللاعب الأساسي بتحديد الأسعار، لذا لا يمكن لأي مورد او تاجر ان يحافظ على مستوى أسعاره، فيما منافسه خفّضها، وذلك للحفاظ على زبائنه. لذا انّ كل التجار مجبرون على السير بمستوى الأسعار الذي يفرضه السوق.
وعن نسبة الإقبال على شراء السلع، يقول فهد، انّها انخفضت كثيراً نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين بعد تراجع المداخيل، فما عاد باستطاعة المستهلك شراء كل ما يحتاجه، ما أدّى الى تراجع المبيعات في المحلات التجارية وفي السوبرماركت على السواء. مقدّراً تراجع حجم المبيعات المقومة بالدولار بين 2018 و2021 بنسبة 80%.
أضف الى ذلك، انّ تفاقم ازمة البنزين وانقطاعه حالا دون التسوق من السوبرماركت، خصوصاً انّ غالبيتها يقع على الطرقات الرئيسية، وبالتالي يحتاج من يقصدها الى سيارة للتبضع، دون ان ننسى انّ غالبية هذه السوبرماركات كانت تمتد طوابير السيارات أمامها.
وأمل فهد في ان تعمل الحكومة المقبلة على خطة اقتصادية مالية جديدة مع صندوق النقد، تحمل معها تدفقات مالية من شأنها ان تخلق توازناً في السوق وتنعكس تحسناً في سوق الصرف، يتمكن من خلالها المواطن ان يستعيد بعضاً من قدرته الشرائية لخلق توازن بين المداخيل والمشتريات.
بحصلي
من جهته، يقول نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي، انّه لا شك انّ تأليف الحكومة يعطي جواً إيجابياً في البلد، وقد بدا ذلك من خلال التراجع الملحوظ في سعر الصرف. أضاف: «نحن نتطلع بإيجابية الى عمل الحكومة، ونعوّل عليها للبدء بالإصلاحات المنشودة واعتماد حلول للأزمات المتراكمة، مباشرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والانفتاح على العالم، ما من شأنه ان ينعكس مزيداً من التراجع في سعر الصرف».
وأوضح بحصلي لـ«الجمهورية»، انّ «سعر الصرف ما عاد العامل الوحيد اللاعب في انخفاض وارتفاع الأسعار. فهناك عوامل عدة دخلت على الخط، وبات يُحسب لها الف حساب. ففي الحقيقة انّ الواقع أليم جداً، فالقطاع التجاري ينزف والشركات تختنق، صحيح انّ المازوت بات متوفراً للقطاع الخاص، لكن البنزين مقطوع. فكيف يمكننا تسيير اعمالنا ونقل البضاعة الى المتاجر والسوبرماركت والمحطات بغالبيتها مقفلة».
وعدّد بحصلي العوامل التي تدخل في تسعير السلعة الى جانب سعر الدولار ابرزها:
– ارتفاع سعر المحروقات مضاعفة وعدم وجودها.
– إرتفاع كلفة بدل النقل للموظفين من 8000 ليرة سابقاً الى 24 الفاً، علماً انّ هذا المبلغ بالكاد يكفي ثمن صفيحة بنزين في الشهر.
– إقدام القطاع الخاص بغالبيته على رفع الأجور للموظفين كسلفات غلاء معيشة بانتظار أي ارتفاع رسمي للاجور، وذلك للمحافظة على اليد العاملة اللبنانية.
– ارتفاع الإيجارات وفرق النقل والتضخم بأسعار الصيانة وقطع الغيار.
– ارتفاع كلفة الشحن العالمي على مستوعب 20 قدماً من 1200 دولار الى 8000 دولار و40 قدماً الى 16 الف دولار في سابقة تاريخية.
يُضاف الى كل هذه العوامل تعطّل عمل الإدارات العامة واستغراق المعاملات أياماً عدة في الوزارات قبل الانتهاء منها، بحيث أصبحت الدولة اللبنانية احدى العوامل المسببة بارتفاع الأسعار، لأنّ هذا التأخير ينعكس تأخّراً بتخليص البضاعة، فيدفع التاجر ايجار كل يوم اضافي لشركة الشحن، ما يرتب عليه آلاف الدولارات الفريش.
وعليه يقول بحصلي، انّ التسعير ما عاد محصوراً بارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، وبالتالي من الصعب جداً تحديد نسب التراجع او الزيادة على الأسعار، مع الإشارة الى انّ التاجر ما عاد يملك ترف الزيادة على الأسعار، بسبب المنافسة من جهة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين من جهة أخرى.