Site icon IMLebanon

التطنيش المشترك بعد تقرير غوتيريش

ليس قليلا في الأدبيات اللبنانية والدولية ما يجمع بين لبنان والأمم المتحدة. ومن الصعب ان يتصور أحد الجنوب من دون القوات الدولية التي صارت من العوامل الثابتة في لبنان بكل متغيراته. لكن القاسم المشترك الاضافي والملموس هو التطنيش بعد التقارير الدورية للأمين العام الى مجلس الأمن عن حال القرارات المتعلقة بلبنان. فالمنظمة الدولية تطلب ثم تطنّش، لمعرفتها انها عاجزة عن تطبيق قراراتها، واننا أكثر منها عجزا. ولبنان يسمع ويطنّش. وليس التقرير الدوري الأخير للأمين العام أنطونيو غوتيريش عن حال القرار ١٥٥٩، وقبله التقرير الدوري عن حال القرار ١٧٠١ استثناء من القاعدة.

ذلك ان التقرير مشغول بعناية ودراية بالوضع اللبناني والرهانات الدولية على تحسين ظروفه. لكن الانشغال به قليل أو معدوم. فهو يعيد تذكيرنا بما يراد له الدخول في النسيان. والأمم المتحدة محكومة بألاّ تنسى قراراتها، وألاّ تهمل المطالبة بتنفيذها مهما طال الزمن. ولا يبدّل في الأمر كون التنفيذ مهمة مستحيلة أو أقلّه مؤجلة نظريا الى ما بعد تسوية الصراع العربي – الاسرائيلي، واعادة رسم خارطة المنطقة في ضوء حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا وصراع المشاريع الاقليمية.

غوتيريش يكرّر القول ان احتفاظ حزب الله بقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة خارج سيطرة الحكومة يشكّل مصدر قلق بالغ في حين يراه أكثر من فريق لبناني مصدر اطمئنان الى توازن ردع مع العدو الاسرائيلي. وهو يحذر من ان مشاركة مواطنين لبنانيين في النزاع في سوريا تمثل أخطارا كبيرة على استقرار لبنان. وعلى العكس، فان خطاب حزب الله وحلفائه قائم على أساس ان ذهاب مقاتلي الحزب الى سوريا هو حماية لاستقرار لبنان، ونوع من الحرب الوقائية التي منعت وصول الارهاب التكفيري الى الوطن الصغير.

ولا شيء يوحي ان السلطة التي يتحدث أركانها باستمرار عن مواضيع خلافية ترى عمليا ما سمّاه غوتيريش فرصة للتقدم في تنفيذ ما بقي من القرار ١٥٥٩. لا بالنسبة الى اقامة سلطة الدولة على كامل الأراضي. ولا بالنسبة الى استكمال حلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

لكن الحدّ الأدنى بين ما نريد فعله ولا نستطيع، وما لا نريد فعله ونستطيع، هو ترتيب ما نريد ونستطيع. وليس ذلك مجرد الدعوة في التقرير الى عدم المجازفة برأس المال السياسي الذي جاءت به التسوية الرئاسية والحكومية، أي عدم الانتقال من الشغور الى الفراغ، بل أيضا تكبير رأس المال وتوظيفه في قانون وانتخابات نيابية وبناء مشروع الدولة.

وهذه مهمتنا الطبيعية. وقمة البؤس السياسي ان تبدو الأمم المتحدة أكثر حرصا منّا على لبنان.