Site icon IMLebanon

«الاتصالات»: حمايات مستمرة.. وجمارك لا ترى

القضاء لم يجد المرّ.. ويؤجل استجوابه شهرين ونصف شهر!

«الاتصالات»: حمايات مستمرة.. وجمارك لا ترى

سعى النواب، في جلسة لجنة الاتصالات النيابية، أمس، إلى الاستفادة من الزخم السياسي للعهد الجديد، عله ينهي حالة المراوحة التي يعيشها ملف الاتصالات في أروقة القضاء. الفضائح التي كشفت في اجتماعات اللجنة، منذ الثامن من آذار، كفيلة بإسقاط حكومات أو استقالة وزراء، لكنها في لبنان لم تؤد حتى اليوم إلى توقيف أي مرتكب. بدت كل الجرائم التي اكتشفت من دون فاعل، فلم يفتح السجن لأي متهم، لا بل إن معظم «المتهمين الكبار» لم يتم توقيفهم حتى ولو لساعات قليلة.

الدفع الجدي الوحيد باتجاه إحقاق الحق يأتي من مجلس النواب. لولا لجنة الاتصالات وعدم يأسها لكانت القضية أقفلت منذ زمن. يعرف رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله ذلك جيداً. ولذلك يحرص مع كل جلسة على التأكيد أن «الموضوع لن يموت ولن يمنع ولن يدفن تحت أي ظرف من الظروف». كما يذكّر من يهمه الأمر بأن المطلوب التعامل مع الملف قانونياً لا سياسياً وأن ينال المجرم عقابه مهما علا شأنه.

في جلسة أمس، سعى القضاء للدفاع عن نفسه. وضع المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود اللوم على القوانين، ولا سيما قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تطيل مواده فترات التقاضي بأصول شكلية لا تنتهي. لكن ذلك بدا جزءا من الحقيقة.

في قضية الانترنت غير الشرعي، يستغل المدعى عليهم كل الفرص القانونية التي تسمح لهم بالمماطلة. وهم قدموا الدفوع الشكلية أمام قاضيي التحقيق في بيروت وجبل لبنان، فتم ردها. ثم مارس المدعى عليهم حقهم بالاستئناف، فصادقت الهيئة الاتهامية، سواء في بيروت أو في جبل لبنان، على قرار قاضي التحقيق برد الدفوع الشكلية. ولكن هؤلاء أصروا ايضا على ممارسة بالتمييز، لكن محكمة التمييز صدقت القرارات التي صدرت عن قاضي التحقيق في بيروت، فيما ما يزال الملف في محكمة التمييز بالنسبة للقضايا المرفوعة في جبل لبنان، حيث يفترض البت به في الأسبوع المقبل.

وفي هذا الإطار، كشف وزير الاتصالات بطرس حرب لـ «السفير» أنه سيعمد إلى تقديم اقتراح قانون يلغي مرحلتي الاستئناف والتمييز في مسألة الدفوع الشكلية.

ذلك وجه من وجوه القضية. الوجه الثاني يتعلق بالمعدات نفسها. استعان قاضي التحقيق بلجنة فنية للكشف على المعدات للتأكد من حصول واقعة استجرار الانترنت غير الشرعي، فلم تنجح في مسعاها. هنا، يميل القضاء إلى الجزم بأن تفكيك المعدات مسح الأدلة، لكن وزارة الاتصالات، عرضت على القضاء تسليمه لائحة بأسماء متخصصين بالموضوع، حيث يختار القضاء منهم من يشاء لمعاودة الكشف على المعدات. وقد اتفق على ذلك بالفعل. كما تبين أن القضاء تواصل مع السلطات القبرصية لأخذ الإذن بالاستماع الى المسؤولين عن احدى شركات الانترنت أملاً بالوصول إلى أسماء الشركات اللبنانية التي كانت تستجر الانترنت عبرها.

لكن الفضيحة الحقيقية تجسدت في ما أبلغه القاضي صقر صقر للجنة. فقد كشف عن كتاب رسمي تسلمه من الجمارك، في سياق التحقيقات بكيفية دخول المعدات إلى لبنان، يفيد أن الجمارك لا تملك أرقاما تسلسلية للمعدات التي تدخل ولا لوائح بنوعها. وهذا أمر ينطبق على كل ما يدخل من آلات وسلع إلى لبنان. فالبيان الجمركي يكتفي بالإشارة إلى طبيعة البضائع عامة، فيشير على سبيل المثال، إلى دخول شحنة تضم معدات اتصالات.

لكن ما هي الغاية من المعدات، وما هي وجهة استعمالها وهل مسموح إدخالها؟ تلك أسئلة لا يبدو أنها تحظى باهتمام السلطات المعنية. أضف إلى أنها تفتح الباب أمام السؤال عن دور هذه السلطات في حماية الأمن الوطني.

وفيما كان القاضي حمود يؤكد أن القضاء لم يقصّر في واجبه ولم يتباطأ في أي إجراء يفترض أن نقوم به، معلناً أن القاضي المنفرد في المتن حدد الأسبوع المقبل موعداً لجلسة المحاكمة، تبين أن الجلسة قد عقدت أمس.

لكن المستغرب أن الإجراءات لم تتناسب مع كون القضية صارت قضية رأي عام، ينتظر الناس أن يسمعوا فيها كلمة الفصل أو أن يروا متهماً يمثل أمام القضاء، مهما علا شأنه.

ببساطة، تبين أن المدعى عليه، أي ميشال غبريال المر، لم يتبلغ بموعد الجلسة. لم يقل أحد لماذا لم يتبلغ، ما دام عنوانه وعنوان عمله معلومين. بالنسبة للقاضي، فإن التبليغ كان يجب أن يعود إليه موقعاً من قبل المدعى عليه، لكنه عاد من دون توقيع، بما يعني أنه لم يبلّغ.

وبغض النظر عن التشكيك بتعمّد عدم تبليغ المر، فقد كانت المفاجأة في تأجيل الجلسة إلى 26 كانون الثاني المقبل. ذلك وحده شكّل مفاجأة لمتابعي القضية، انطلاقاً من أنه ما من سبب مقنع لتأجيل قضية بهذا الحجم لمدة شهرين ونصف شهر، إلا إذا كان تبليع مدعى عليه معروف العنوان يحتاج إلى كل هذه المدة!

يختصر أحد النواب الإشكالات المرافقة للقضية التي حولت إلى المحكمة منذ نحو شهرين بسؤال: لماذا يضع القضاء نفسه في قفص الاتهام بدلاً من المتهمين، فيما كل المطلوب منه أن يقوم بدوره ويحكم بالعدل وبقوة القانون.

على المقلب الآخر، يبدو أن قضية «غوغل كاش» ستسير في سياقها الطبيعي في الأسبوع المقبل، بعدما كانت «تعس» لأسباب شكلية، آخرها عدم حضور رئيس «أوجيرو» عبد المنعم يوسف الجلسة الماضية لوجوده خارج لبنان في مهمة رسمية.

وإذا كانت قضية السعات الدولية (E1)، ما تزال عالقة بسبب عدم إعطاء الوزير حرب الإذن بملاحقة يوسف، بالرغم من مرور شهرين على الطلب، يبدو أن اجتماع لجنة الاتصالات قد ساهم في إيجاد مخرج للأمر. وكان المدعي العام المالي علي ابراهيم، قد طلب من وزارة الاتصالات إذناً بالملاحقة مرفقاً بملخص عن التحقيقات، لكن حرب رأى أن هذا الملخص غير كاف، فطلب نسخة عن هذه التحقيقات. ومنذ ذلك الحين جمدت القضية، فلا حرب أعطى الإذن ولا ابراهيم أعطى التحقيقات. وقد تبين أمس أن الأخير كان يرفض أن يتحول الأمر إلى سابقة، فيما كان حرب يعتمد على تحقيقاته الخاصة (اجتمع بشركتي الخلوي وبالمعنيين في الوزارة واطلع على المستندات المتعلقة بالملف) للتشكيك بصحة الاتهام.

لكن في النهاية تم إيجاد صيغة بين حرب وابراهيم وحمود (سبق ووافق على إعطاء نسخة عن التحقيقات للوزير في قضية «غول كاش») تؤدي إلى إرضاء الطرفين وحصول القضاء على الإذن بالملاحقة، فأكد حرب لـ«السفير» أنه سيعطي الإذن بالملاحقة برغم عدم اقتناعه بتورط يوسف. كما أعلن أنه سيتقدم باقتراح قانون لتعديل آلية الحصول على الإذن بالملاحقة.