ليس عادياً ما يقوم به الرئيس نبيه بري سعياً لتدوير الزوايا لعل فرقاء الحوار الداخلي يتوصلون الى تفاهمات حول احد مفاتيح الأزمة القائمة او الاتفاق على «سلة» كاملة تتضمن انتخاب رئيس للجمهورية وقانون الانتخابات والحكومة الجديدة.
ومن هذه الرؤية لجأ الرئيس بري الى دعوة هيئة الحوار للانعقاد ولو بعد حوالى الشهر والنصف في جلسات لثلاثة ايام متتالية وعلى امل ان يكون استجدّ «شيء ما» داخلياً او اقليمياً يفضي الى خروج الدخان الابيض من عين التينة ايداناً باتفاق القوى المتحاورة على «دوحة لبنانية» تفضي الى الخطوة الاولى لاخراج البلاد من التحلل الذي بدأ يصيب مؤسساتها.
لذلك، هل يتوقع ان تخرج جلسات الحوار مطلع شهر آب بالترياق الذي انتظره اللبنانيون منذ اكثر من سنتين؟
مصدر سياسي مشارك في جلسات الحوار لا يرى في الافق ما يوحي بامكان خروج المتحاورين باتفاق على «السلة» او حتى على المواضيع التي يفترض ان تتضمنها هذه «السلة»، وتعيد هذه الاستحالة الى ما شهدته كل جلسات الحوار وقبلها وخلالها اجتماعات اللجان المشتركة وفق الآتي:
ـ لا شيء يجمع حتى الآن بين افرقاء الحوار حول امكان احداث خرق في الانتخابات الرئاسية، فبعض الفرقاء يرفضون اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسة، والبعض الاخر يصر على دعم العماد ميشال عون والبعض الثالث متمسك بترشيح النائب سليمان فرنجية، ولم تبدل الافكار التي تطرح من هنا وهناك حول بديل غير عون وفرنجية من المأزق الرئاسي.
ـ في ملف قانون الانتخابات النيابية، كل طرف متمترس وراء القانون الذي يخدم مصالحه بالحصول على كتلة نيابية وزارية، او بعض الاطراف وفي مقدم هؤلاء تيار المستقبل الذي ما زال مصراً على صيغة لقانون الانتخابات لا تبدل شيئاً بما ينتج من قانون الستين وتحديداً الاقتراح المرفوع من كتل المستقبل والقوات اللبنانية واللقاء الديموقراطي والذي جرى اعداده بما يتناسب مع طموحات هذه الاطراف.
هل يعني ذلك ان الابواب موصدة امام اتفاق المتحاورين على مخرج لولوج باب الحل لهذه الازمة المستعصية؟
مصدر سياسي مسيحي مع انه ليس بعيداً عن اجواء التشاؤم الا انه يرى «بارقة امل» صغيرة يعتقد انها قد تفضي في الفترة المقبلة الى توافق المتحاورين على مخارج للازمة يكون ابطالها من الداخل اللبناني، لكن هذا المسعى للوصول اى ذلك تدعمه اطراف خارجية وبخاصة فرنسا ولا تمانعه الولايات المتحدة.
ويكشف المصدر المذكور عن وجود اتصالات بعيدا عن الاضواء باتجاه العماد ميشال عون ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري مشيرة الى ان لا تواصل مباشر حتى الآن بين الرجلين لكن القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع ليسا بعيدين عن هذه الاتصالات، وكذلك هناك اصدقاء مشتركون للعماد عون والحريري يشاركون فيها، كما ان هناك دعماً خارجياً لهذه الحركة وفي مقدم ذلك فرنسا.
ويقول المصدر ان هذه الاتصالات التي لا تزال تحتاج الى جهد كبير تهدف الى الوصول الى مقاربات مشتركة بين عون والحريري تطمئن رئيس المستقبل في حال جرى التفاهم على دعم «الجنرال».
ويشرح المصدر المسيحي بعض العناوين لهذه الاتصالات بحيث ينطلق البحث من الاتفاق اولا على انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي: تسليم الحريري بمبدأ وصول عون الى الرئاسة، وعندما يقر رئيس المستقبل بذلك ينتقل البحث لما يمكن ان يطمئن المستقبل لما بعد الانتخاب الرئاسي اي موضوع الحكومة وترجيح ان يكون الحريري رئيساً لها بالتوازي مع الاتفاق على صيغة لقانون الانتخابات النيابية ترضي جميع الاطراف.
ويوضح المصدر ان لا مجال للاتفاق على القانون الانتخابي طالما ان لا اتفاق على شخص الرئيس الجديد، وبالتالي اصبح حسم الموضوع الرئاسي هو المدخل الذي لا بد منه لولوج باب الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية والا ستبقى الامور تراوح على طريقة «الدجاجة قبل ام البيضة» وهو ما يعني الدوران في حلقة مفرغة بما في ذلك خلال جلسات الحوار مطلع آب المقبل.
ولهذا يقول المصدر ان لا شيء محسوم بأن تتوصل الاتصالات الى صفقة قبل آب، واذا ما بقيت الامور متعثرة، فعندئذ سيجد الرئيس بري المخرج لتأجيل جلسات الحوار الى جولة جديدة حتى لا تبلغ الامور نقطة اللاعودة وتدخل البلاد في متاهات ازمة متعددة العواقب.