IMLebanon

من تسميم المياه الى مجزرة الاتصالات: القتل الجماعي نهج إسرائيلي

    

كتب خضر خروبي:

لا تنفصل موجة التفجيرات المتتابعة، على مدى اليومين الماضيَين، لعدد كبير من أجهزة الـ «بايجر» والاتصال اللاسلكي، عن سلسلة ممتدّة من الجرائم الجماعية التي دأب الكيان الصهيوني على تنفيذها، عبر حلقات الصراع العربي – الإسرائيلي. وهي جرائم لطالما شكّلت أحد أهم المنطلقات الاستراتيجية لتنفيذ المشروع التوسعي الإسرائيلي في المنطقة، لكونها حظيت بـ«مباركة» القادة الأوائل والحاخامات في الكيان على حد سواء، وتجسّدت على الأرض بمجازر تجاوز عددها الـ3400، معظمها سُجّل في غزة، وواصله العدو منذ الأيام الأولى لتأسيس كيانه في 1948، كما جرى في دير ياسين، والدوايمة التي تُعدّ إحدى أكبر المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في العام المذكور، مروراً بمجزرة بحر البقر في مصر عام 1970، ومجزرتَي قانا في لبنان، خلال عامي 1996 و2006، ولا تنتهي عند إصرار حكومة بنيامين نتنياهو في الوقت الحالي على مواصلة حرب الإبادة الجماعية على القطاع، بل وانتهاج سياسة العقاب الجماعي في الضفة الغربية أيضاً.

من هدم البيوت وتسميم المياه إلى الإبادة الجماعية

تلك الممارسات العدوانية الممنهجة بحقّ الفلسطينيين بصورة جماعية، والتي تشمل انتهاكات واسعة لـ«نظام روما الأساسي» والقانون الدولي، بما فيها الاستهداف المباشر للسكان بشكل مكثّف بقصد القتل والترحيل، فضلاً عن السجن والتعذيب والحصار وتدمير البنى التحتية الخدمية بما فيها الكهرباء والوقود والاتصالات، أجمعت تقارير منظمات إغاثية وإنسانية دولية عدة، ومن ضمنها «العفو الدولية»، و»هيومن رايتس ووتش»، و»وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، على اعتبارها قرينة على ارتكاب الجانب الإسرائيلي جرائم حرب وتطهير عرقي، وجرائم ضد الإنسانية. فإضافة إلى ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة، والتي تخطّت الـ130 ألفاً بين شهيد وجريح، وتدمير ما لا يقلّ عن 150 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، وفق إحصاءات الأجهزة الحكومية في القطاع، وثّق «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، في أيار الماضي، ما سمّاه «جرائم مروّعة» ضد الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين، مستنكراً إخضاع هؤلاء لممارسات غير إنسانية على غرار الضرب بقصد القتل، وإحداث إصابات وإعاقات دائمة، فضلاً عن الحرمان من الطعام والرعاية الطبية، وكذلك العنف الجنسي، والصعق بالكهرباء، وتعصيب الأعين وتقييد الأيدي والأرجل لفترات طويلة وممتدّة، وهو أمر أدانته حركة «حماس»، في بيان، مؤكدة أن سلطات الاحتلال تمارس «أبشع الجرائم» بحق 9500 أسير فلسطيني في سجونها، بينهم ما لا يقل عن 56 صحافياً و80 امرأة، و200 طفل.

وكما هو معلوم، فقد شكّل العنف أداة أساسية لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال الأعوام الأخيرة، لإدارة العلاقة مع قطاع غزة، الذي كان مسرحاً لأكثر من عملية عسكرية صهيونية بين عامي 2006 و2023، ومن أبرزها عدوان عام 2008 الذي صدر على إثره ما عُرف بـ»تقرير غولدستون»، وخلص إلى توثيق وإدانة جانب كبير من الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأعراف الدولية، ومنها استهداف مقارّ حكومية وشرطية، واستخدام أسلحة فوسفورية محرّمة دولياً؛ وعدوان 2014 الذي أسفر عن تدمير ما لا يقلّ عن 5000 وحدة سكنية، واستشهاد قرابة الألفي شهيد، وهي حصيلة تعادل حصيلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وقرابة نصف حصيلة انتفاضة الأقصى، المُقدّرة بنحو خمسة آلاف شهيد.

يضاف إلى سجلّ الجرائم الإسرائيلية، قيام سلطات الاحتلال في بعض مناطق الضفة بتسميم مياه الشفة

 

ويضاف إلى سجلّ الجرائم الإسرائيلية، قيام سلطات الاحتلال في بعض مناطق الضفة بتسميم مياه الشفة عبر تحويل ما نسبته 60% من مجاري الصرف الصحي والنفايات في المستوطنات، نحو الأراضي التي يقطنها فلسطينيون، وهو بالضبط ما وثّقته وزارة الصحة الفلسطينية في قرية مرادا في بلدة سلفيت، صيف عام 2019، مؤكدة أن ما جرى أفضى إلى تسمّم أكثر من ألف شخص. والأمر نفسه تكرّر في سنوات لاحقة، بخاصة في عام 2021، حيث ردمت قوات الاحتلال في ذلك العام وحده 121 بئراً ومجرى للمياه. ولم تتوقّف، بالتوازي، عمليات هدم المنازل والتهجير القسري للفلسطينيين، والتي لم تنحصر في عموم مناطق غزة خلال فترة ما بعد عملية «طوفان الأقصى»، بل انسحبت على مناطق في الضفة الغربية، حيث تمّ تهجير أكثر من ألف فلسطيني قبل أشهر قليلة من بدء العملية، وتحديداً خلال عام 2022.

كل ذلك يجري في موازاة التغوّل الاستيطاني في الضفة، حيث ارتفع عدد المستوطنات هناك، خلال العامين الماضيين، إلى ما لا يقل عن 14 ألف وحدة استيطانية، أكبرها في مستوطنة «معاليه أدوميم» شرق مدينة القدس، بتمويل من حكومة بنيامين نتنياهو، وفق منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية. وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي عدد المستوطنين في مناطق الضفة، يقارب الـ800 ألف، من بينهم 230 ألف مستوطن في داخل القدس الشرقية، وهو أمر وضعته «لجنة التحقيق الدولية المستقلّة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية» المحتلة، في خلاصة موقف أصدرته في نهاية أيلول الماضي، في سياق الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لـ»حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير»، من خلال احتلالها الطويل الأمد، واستيطانها، وضمّها للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

 

«اعتداءات تكنولوجية» و»ترانسفير»

وإذا كانت الساحة اللبنانية، شأنها شأن الساحة الفلسطينية، قد عانت الأمرّين من الاعتداءات الإسرائيلية على البشر والحجر، وحتى الثروات الطبيعية كالمياه، والاحتياطات (المفترضة) من الغاز، فإنّها اتّسمت بطابع «خاص» و»مبتكر» في تعامل الكيان الصهيوني معها في العقدَين الماضيين، خصوصاً بعد اكتشاف قادة العدو صعوبة «المواجهة التقليدية» مع لبنان، وفق ما دلت عليه تجربة حرب تموز من عام 2006، ليلجأ الاحتلال إلى أسلوب «المواجهة التقنية»، بخاصة لناحية محاولة اختراق شبكات الاتصالات في لبنان. ومن منظور القانون الدولي العام، تندرج الأفعال الرامية إلى اختراق شبكة الاتصال، ولا سيما الثابتة والخلوية لبلد ما، ضمن جرائم التجسّس والقرصنة المعلوماتية، وهي بذلك تُعدّ اعتداء سافراً على السيادة وانتهاكاً للقرارات الدولية، وفي مقدّمها القرار 1701، وتحديداً الفقرة الخامسة منه.

أما في الجولان، فإنّ طريقة تعامل سلطات الاحتلال مع السكان تكاد تكون أشبه استنساخاً لما يجري في الضفة الغربية، حيث تُتبع استراتيجية الضم التدريجي القسري، بحكم الأمر الواقع، والتي أسفرت إبان عهد الإدارة الأميركية السابقة عن الحصول على اعتراف رسمي أميركي بضم الجولان إلى الكيان. وتدعم ذلك تقارير وسائل إعلام إسرائيلية عن خطوات تدريجية قامت بها الحكومات المتعاقبة على مدى عقود لتنظيم عملية «ترانسفير» قسرية منظّمة ضدّ أهالي الجولان منذ احتلاله عام 1967، للتضييق عليهم، وحثّهم على المغادرة، وهو أسلوب سبق أن وصفته صحيفة «هآرتس»، في أحد تقاريرها، نقلاً عن ضباط إسرائيليين كبار، بسياسة «تطهير» الجولان من سكانه العرب. وتُعدّ مجزرة الدردارة في الجولان، الذي هُجّر معظم سكانه المُقدّرة أعدادهم قبيل حرب «النكسة» بـ130 ألف شخص، أحد أبرز الشواهد على تلك السياسة.