الإتصالات تنجح في التهدئة السياسية وتقف على عتبة عقد الحصص
عملية التأليف تدخل «الثلاجة» إلى حين عودة بري والحريري
اطالة أمد حكومة تصريف الأعمال تضع لبنان امام واقع سياسي واقتصادي صعب وعجز في مواجهة التحديات الخارجية
بالرغم من حركة المشاورات المكثفة التي جرت على خط تأليف الحكومة في اليومين الماضيين بهدف تشخيص نقاط الخلاف والعمل على معالجتها بين القوى المعنية، فإن هذا الاستحقاق دخل عنوة إلى الثلاجة لاعتبارات متعددة من بينها استمرار الخلاف على المعيار الذي يجب اعتماده في توزيع الحصص، وكذلك سفر الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الخارج للاحتفال وعائلته بعيد زواجه، وكذلك استمرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي في تمضية اجازته في الخارج ايضا، ومن المنتظر ان يستمر هذا المناخ البارد متحكماً بمسار التأليف إلى الأسبوع المقبل أو الذي سيليه أي إلى حين عودة الرئيسين برّي والحريري من الخارج حيث ينتظر ان تطلق عجلة المشاورات من جديد وبزخم، بعدما طال أمد تأليف الحكومة العتيدة في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان لوجود حكومة مكتملة الاوصاف تكون قادرة على مواجهة التحديات والاستحقاقات القادمة.
حتى ليل أمس لم يكن قد طرأ أي جديد، ولم تحقق الاتصالات والمشاورات أي خرق في جدار المطالب التي باتت معلومة للجميع، وبقيت العقد التي برزت منذ اليوم الأوّل لاستشارات الرئيس المكلف هي.. هي.. بالرغم من محاولة البعض ضخ معلومات عن تحقيق بعض التقارب خصوصاً على مستوى التمثيل المسيحي يُمكن ان يؤدي إلى تسهيل الحكومة في وقت قريب، بعد حلحلة باقي العقد.
ومن خلال رصد وتحليل المواقف التي أعقبت رزمة اللقاءات التي حصلت في اليومين الماضيين إن في قصر بعبدا أو في بيت الوسط يتبين ان لا جديد يوحي بإمكانية مغادرة عملية التأليف المربع الأوّل، لا بل ان المراقبين لمسار هذه المشاورات يؤكدون ان الوقت ما زال مبكراً للقول بأن تأليف الحكومة أصبح في قبضة اليد، لأن جُل ما حصل هو محاولة الاتفاق على تهدئة الجبهات التي شهدت في الآونة الأخيرة اشتباكات كلامية كادت ان تطيح بمناخات التفاهم التي سادت الساحة السياسية منذ عدّة أشهر.
ولا يخفى على أحد أن مسألة التمثيل المسيحي ما زالت أبرز العقد التي تعترض سبيل تأليف الحكومة، وان الاجتماعات التي حصلت بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لم تنجح في تقديم أي فريق تنازلاً للآخر حيث ان «التيار» بلسان أكثر من مسؤول فيه ما برح يُؤكّد بأنه لن يتنازل عن أي من حقوقه لصالح أي طرف، وفي مقابل ذلك فإن «القوات» ما تزال تصر على الحصة التي تطالب فيها بأربع حقائب من بينها حقيبة سيادية بعد ان أصبح مركز نائب رئيس مجلس الوزراء خارج التداول بعد البيان الرئاسي الذي صدر الأسبوع الفائت، والذي أشار إلى ان هذا الموضوع يعود لرئيس الجمهورية فقط لا غير.
والعقدة المسيحية ليست وحدها التي ما تزال عصية على الحل، فهناك العقدة الدرزية ايضا ما تزال على حالها، حيث أبلغ النائب وائل أبو فاعور الرئيس المكلف في اللقاء الذي جمعهما في الساعات الماضية في بيت الوسط ان الحزب التقدمي الاشتراكي ليس في وارد القبول بأن يشاركه أحد في حصته الدرزية (3 وزراء)، وان هذا الموقف ثابت ولا عودة عنه تحت أي اعتبار، ومن المقرّر ان يحمل هذا الموقف إلى قصر بعبدا اليوم النائب السابق وليد جنبلاط والذي سيلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وامام هذا المشهد، فإن مصادر سياسية متابعة ترى ان عجلة التأليف ما تزال تدور حول نفسها على الرغم من عودة الحرارة إلى خطوط التواصل بين القوى السياسية وعلى وجه الخصوص بين «الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والتي ما تزال في إطار التهدئة من دون الغوص في عملية التأليف وتوزيع الحصص.
غير ان هذه المصادر ترى انه في نهاية الأمر ستتأمن الأجواء الملائمة للتأليف، لأن البلد لا يُمكن ان يبقى لمدة طويلة في ظل حكومة تصريف أعمال كون ان الاستفادة من المؤتمرات الدولية، خصوصاً تلك التي عقدت مؤخراً لدعم لبنان، يحتاج إلى حكومة فعلية قادرة على اتخاذ قرارات بهذا المستوى، ولذلك ليس مستحباً الافراط في التشاؤم، فامكانية نضوج الطبخة الحكومية تبقى واردة إلى حين عودة الرئيسين برّي والحريري وفي حال نجحت الاتصالات التي ستنطلق بزخم قوي في الأيام المقبلة في تحقيق اختراقات في جدار المطالب فإنه من الممكن ان نكون أمام حكومة جديدة قبل نهاية الشهر، وفي حال تعثرت الأمور فإن لبنان سيكون امام واقع سياسي واقتصادي صعب، لا سيما وان المعطيات المتوافرة تفيد بأن المنطقة قادمة على جملة من التطورات المصيرية ولبنان لن يكون بعيداً بحكم موقعه الجيوسياسي عن ارتداداتها، وبناء عليه فإنه يتوجب ان يكون محصناً في الداخل لمواجهة مخاطر الخارج.