مَن يراقب تصاعدَ الحراك الشعبي في الأيام الأخيرة يدرك أنّ الشارع ما زال مستعدّاً للتحرّك ولو بأعداد أقلّ رفضاً لأيِّ قرارٍ قدّ يطاول حاجات الناس الأساسية.
لا شكّ في أنّ الحركات النقابية وبعض هيئات المجتمع المدني والجمعيات ومواطنين عاديين شكّلوا مشهديّة الأحد الماضي في ساحة رياض الصلح، لكنّ الأكيد أنّ هناك أحزاباً كانت العمود الفقري لهذا التحرّك وحشدت ونزلت الى الساحة.
يستطيع أيّ مراقب أو مشارك في إعتصام الأحد أن يدرك مدى قدرة الحزب «الشيوعي اللبناني» على استقطاب محازبيه أولاً، والفئات التي تحمل مطالبَ معيشية ثانياً، وتحريكهم عندما يدقّ الخطر أبواب تلك الطبقات، وعلى رغم أنّ التحرّك أتى تحت مطلب رفض الضرائب وإقرار السلسلة العادلة، لكن يمكن قراءةُ إستفاقة شيوعية قد تترجَم في الإنتخابات النيابية المقبلة.
شكّل إنتخابُ رئيس «هيئة التنسيق» النقابية حنا غريب سابقاً، أميناً عاماً للحزب الشيوعي نقلةً نوعيّةً في توجهات الحزب، وربما أعاد بثّ الثقة في نفوس بعض المحازبين القدامى، كما أنّه استطاع استقطاب فئات أخرى لا تغريها الإنتساباتُ الطائفية والحزبية، إضافة الى أنّه «غير مصبوغ» سياسياً، بل إنّ الجماهير تعرف عنه أنّه «مناضلٌ من أجل حقوق الأساتذة لا أكثر ولا أقلّ».
من هذا المنطلق، يقف الشيوعي أمام إختباراتٍ عدّة في المرحلة المقبلة، فهو الذي يشكّل الرافعة للحركات المطلبية والإحتجاجات التي ستتوزّع في المناطق بعد الإعتصام المركزي في بيروت، وستشهد صيدا اليوم تحرّكاً مماثلاً إحتجاجاً على الوضع الإقتصادي.
تفرّغ الحزبُ الشيوعي ورئيسُه منذ إنتخابه للقضايا المعيشية، إذ نادراً ما يطلق مواقف سياسيّة صرف، أو يخاطب «الجماهير الحمراء» في قضايا تتخطّى حدودَ الوطن مثل القضية الفلسطينية، بل إنّ الخطّ المطلبي بات شريعة الحزب.
إستغرب البعض وجودَ حزبي الكتائب والشيوعي على سبيل المثال في ساحة واحدة، في حين ظهر رئيسُ حزب الكتائب النائب سامي الجميّل كأنّه راعي هذا الحراك، لذلك لا يحبّذ «الشيوعي» استغلال بعض الأحزاب للحراك، أو ظهور بعض الشخصيات السياسية كأنّها راعية التحرّك.
وفي هذا السياق، يؤكّد غريب لـ«الجمهورية» أنّ «اللبنانيين يعرفون مَن بدأ بالتظاهر والمطالبة بحقوق الناس، فنحن «أمّ الصبي» ومَن أراد أن ينضمّ الى المطالب المحقّة فأهلاً وسهلاً به، لكننا نرفض الإستغلال السياسي، فهذا مضرّ بالحراك ويضرب مطالب الناس».
ويشدّد غريب على أنّ «الجميع مدعوّ الى رفض القرارات الجائرة للسلطة السياسية، ومواجهة حيتان المال»، لافتاً في المقابل الى «أننا وبعض المجموعات والأحزاب التي شاركت في تظاهرة رياض الصلح على طرفَي نقيض، فنحن ضدّ النظام الطائفي، ونطالب بإلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس شيوخ وتطبيق الدستور الذي ينصّ على تلك الامور، ولذلك من المبكر الحديث عن تشكيل جبهة معارضة تخوض الإنتخابات النيابية، خصوصاً إذا كانت هناك تناقضات».
تبدو الأمور متّجهة نحو تفعيل الحراك المطلبي، إذ يرسم «الشيوعي» خريطة طريق خاصة به، فهو يفضّل أن تبصر المعارضة النور من الشعب وصرخات المواطنين بدلاً من أن تجتمع الأحزاب وتقرّ خطّة تحرّك تكون بعيدة من الأرض. لذلك فإنّ أيَّ تحالفات إنتخابية مع الأحزاب التي كانت في رياض الصلح ما زالت بعيدة عن تطلّعات الحزب.
وفي السياق، يؤكّد «الشيوعي» أنّ برنامجه واضح، ويقوم على قانون إنتخابي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النسبية خارج القيد الطائفي، وهذا الأمر ضروري للبدء بالإصلاح، من ثمّ تحقيق المطالب الإجتماعية، مثل تأمين التعليم الرسمي بمستوى عال وإنقاذ الناس من الأقساط، وضمان الشيخوخة، وتأمين المساكن للشباب، وتجديد البنى التحتية، «وهذه عناوين يُجمع عليها اللبنانيون وتحقّق الوحدة الوطنية، بالتزامن مع عملية إصلاح سياسي، وبذلك نحمي لبنان من الإنهيار ونحافظ على العيش المشترَك بدلاً من فرز الناس ضمن مذاهب وطوائف مثلما يحصل في المنطقة».