IMLebanon

حوار شيوعي ـــ إسلامي

شهد الأسبوع الماضي لقاء هو الأول من نوعه بين الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني وعشرات الكادرات الأساسية الفاعلة في ميادين العمل الثقافية والسياسية والنقابية في «الجماعة الإسلامية» في لبنان.

ليس جديداً أن تدعو «الجماعة» أحد مسؤولي الأحزاب اللبنانية الى لقاء حواري، لكن الجديد أن يكون المدعو هو الأمين العام للحزب الشيوعي.

سأبدأ بالإشارة الى جانبين:

الأول، هو التقدير للجرأة التي تحلت بها «الجماعة الإسلامية» عبر عمر المصري، بالطلب مني إجراء حوار واسع مع كوادرها، والحق يقال هو إن قمة الجرأة والثقة تتمثل بالقدرة على الانفتاح والرغبة في معرفة الآخر أياً كان هذا الآخر.

الثاني، الفترة التي حصل فيها هذا الحوار، والتي تشهد فيها المنطقة ومن ضمنها لبنان مرحلة انتقالية خطيرة، خصوصا بعدما أخذت القوى الإسلامية الأصولية، الراية من «الجماعة الإسلامية» سواء في علاقاتها الإقليمية أو في موقعها من الانتفاضات العربية وتطوراتها.

سأحاول في هذه المقالة عرض بعض الملاحظات على أمل استكمال الحوار في مواقع أخرى وعلى أمل القدرة على كتابة ما يمكن استخلاصه منه، سواء من قبلنا أو من قبل «الجماعة».

الملاحظة الأولى، وهي اعتراف بأن لدى كادر «الجماعة الإسلامية»، أقله الحاضر والمساهم في النقاش، معرفة بالتاريخ النضالي للحزب الشيوعي أكثر بكثير مما نملكه نحن عن «الجماعة»، بحيث تضمنت المداخلات إعراباً عن التقدير لمواقف الحزب بالقضية الوطنية والمقاومة ومعارك الاستقلال والتربية والتعليم والعمل النقابي والقضية الاجتماعية.

شمل الحوار ما هو متوارث ليس فقط عند الإسلاميين العرب، بل عند الشباب العربي عامة عن قضايا فكرية تبدأ بالإلحاد ولا تنتهي بالموقع الحالي للحزب الشيوعي وانتمائه «المفترض» الى اصطفاف سياسي في لبنان مروراً بالموقف مما يصر الحاضرون على تسميته «الربيع العربي».

الملاحظة الثانية، بدأ الحوار من كوننا «حزبا ملحدا» على قاعدة الانتقاء التحريضي التاريخي من جملة ماركس الشهيرة. وانتهى النقاش على قاعدة ايجابية، باعتبارهم أن الحزب الشيوعي، ليس حزب ملحدين، وأن ماركس، ليس الوحيد من الفلاسفة الذين قاربوا موضوع الوجود من الزاوية المادية فهذه المقاربة عمرها من عمر التاريخ، من الفلسفة اليونانية حتى الآن وانها سادت عند الفلاسفة البرجوازيين لفترات كثيرة ما زالت مستمرة عند الكثيرين منهم. مع إصرارنا وتقبلهم، بأن ماركس يتميز بأنه الفيلسوف الأول بين هؤلاء، الذي لم يكتف بمهمة الفلاسفة بالتفسير والتحليل، بل طرح برنامجاً للتغيير ومهمة للتغيير ترتكز على الانحياز للطبقة العاملة ومصالحها وتستمر الماركسية اليوم لتكون مرجعاً فكرياً لقوى سياسية وليس فلسفية فقط، تحمل هموم التغيير الاجتماعي باتجاه مصالح الكادحين وباتجاه القضاء على استغلال الإنسان للإنسان.

الملاحظة الثالثة، تركزت على الموقف السوفياتي من تقسيم فلسطين، ومحاولة إلحاق هذا الموقف مجدداً بالحركة الشيوعية العربية ومنها الحزب الشيوعي اللبناني. وهنا كان النقاش أسهل أخذاً بعين الاعتبار مواقف حزبنا ودوره في إطلاق المقاومة في عدة مراحل. والأهم هو درجة تقبل الحاضرين وإن من موقع مختلف، ضرورة التركيز على المسؤولية العربية في قضية فلسطين وليس على موقف الطرف العالمي الذي دعم تاريخياً هذه القضية.

وللأمانة، يمكن اعتبار ان الخلاف الحالي لـ «الجماعة» مع السعودية ساهم في تسهيل مهمتي في الإشارة الى مسؤوليتها، ومسؤولية الأنظمة العربية في الأربعينيات، عن نكبة فلسطين وتسهيل مهمة الاستعمار في خلق الكيان الصهيوني.

الملاحظة الرابعة، إحساس الكوادر الإسلامية بالمرارة نتيجة الأوضاع التي آل اليها «الربيع العربي» واستعمال التعابير ذاتها التي استعملت في مواجهتهم. «المؤامرة» الخارجية والائتلاف بين قوى الخارج وفلول الأنظمة عليهم، واعتبار نمو القوى الأصولية الأخرى نتاجاً لهذا التآمر.

هنا جرى من قبلنا نقاش صريح، بدءاً من اعتبارنا الانتفاضات الشعبية بأنها تعبير عن حالة ثورية نتجت من التناقضات الاجتماعية وتحدثنا عن العوامل الداخلية والخارجية التي أدت الى انتكاسات هذه الحالة والى تناغم المشروع الأميركي مع القوى الإرهابية. وأشرنا بوضوح، عند الحديث عن تجربة مصر، الى مسؤولية «الإخوان» والرئيس السابق محمد مرسي عن الانتكاسة الأولى عبر محاولة احتكار الثورة وتهميش القوى الشعبية التي شاركت بها. ووقوفنا الى جانب حرية العمل السياسي والتظاهر ولكن ادانة الأعمال الإرهابية التي يدفع ثمنها الشعب المصري.

وفي الحديث عن الحالة السورية، واضح في هذا المجال الشعور بالدور المتناقص للإخوان بين «حجري رحى» النظام و «دولة داعش» التي اعتبرها بعض الحاضرين «دولة قائمة ونهائية» برغم عدم موافقتهم على أسلوبها.

طبعاً لم يعترض الحاضرون على ضرورة دفع كل القوى باتجاه الحوار السياسي، خصوصا عندما أشرنا الى لعبة الائتلاف الدولي الذي دمر الدولة في العراق وخطر تكرار هذه الحالة في سوريا.

الملاحظة الخامسة، الشعور بالأزمة الحادة الناتجة من التناقض بين تركيبة لبنان وبنية «الجماعة الإسلامية» وأية جماعة مذهبية أخرى. والتعبير عن هذا الشعور أتى من خلال قبول ما أكدته عن أن ليس الحزب الشيوعي وحده يتعرض لأزمة دورية نتيجة تناقض بنيته مع بنية النظام بتجلياته المختلفة وآخرها اتفاق الطائف المكرس للمذهبية. بل ان «الجماعة» وأية جماعة ذات بنية مذهبية لديها هذا التناقض الناتج من تناقض مشروعها النهائي مع بنية البلد وتكوينه.

وفي هذا الإطار، جرى نقاش صريح حول دولة المواطنة بدءاً من إطارها السياسي الى مشروع الأحوال الشخصية. تداخل مع توضيح معنى العلمنة، والأفكار الخاطئة التي تحمّل هذا المفهوم مضموناً هو غير طبيعته، فالعلمنة ليست «ضد الدين» بل هي ضد وضع المؤسسات الدينية يدها على مؤسسات الدولة.

لا أدّعي الوصول الى قواسم مشتركة ولكن النقاش في هذا الموضوع لم يعد نقاشاً «محرماً» وبالتالي ربط بناء «الدولة المدنية» به هو ربط موضوعي وأساسي يتكامل مع قانون الانتخاب وغيره من القوانين.

الملاحظة الأخيرة هي حضور الكادر النسائي ومشاركته الفاعلة في النقاش، وهذا بحد ذاته مؤشر ايجابي في تحديد طبيعة أية قوة سياسية.

(]) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني