IMLebanon

الحَراك جنوباً: «الشيوعي» يستعد ليومه الكبير.. وقوى السلطة تَغيب

 

يتخذ حَراك الجنوب سمة خاصة عن مثيله في المناطق الأخرى. وذلك لكون الحراك يحتفظ بميزتين عن غيره، أولاهما تشكيل اليسار في شكل عام و«الحزب الشيوعي» في شكل خاص ركنه الأهم، وثانيهما تركيزه بالكامل على الشأن المطلبي والمعيشي في وجه منظومة السلطة، من دون شعارات معادية لسلاح «حزب الله» لكن مع توجيه انتقاد للقوتين الاساسيتين في الجنوب وهما الحزب وحركة «أمل».

 

يمكن إضافة خاصية ثالثة لهذا الحراك تتمثل في اللامركزية التي يتبعها الشيوعيون عن حزبهم وانتقاد الحراك عامة لما يقولون انها منظمات من المجتمع المدني ولجت الانتفاضة بدعم وتمويل من الخارج. كما ان هذا الحراك الذي نزل بقوة في النبطية وكفرمان (كانت تسمى دعابة كفر موسكو نسبة الى قوة الشيوعيين فيها قبل تراجعهم مع احتفاظهم اليوم بقوة لا بأس بها) يرفض شعارات غير ناضجة مثل إسقاط النظام على من فيه وهو يعد امتدادا لقوى تتجمع منذ زمن في وجه القوة الكبيرة في الجنوب متمثلة في «أمل»، قبل ان يوجه هؤلاء بوصلتهم في اتجاه «حزب الله» أيضا بعد تماهي الثنائي الحزب والحركة في قوة واحدة، وهما فعليا حاصلان اليوم على الغالبية الكبيرة لأصوات الجنوبيين وقد بدا ذلك واضحا في الانتخابات النيابية قبل ثلاث سنوات.

 

لا قطع للطرقات

 

أدخل تاريخ 17 تشرين الاول من العام 2019 تاريخ اندلاع الانتفاضة الشعبية، تغييرا في مزاج شرائح واسعة في الجنوب من غير الواضحة جدّيتها في ظل عدم وجود احصاءات دقيقة، ومدى قدرتها على التغيير خاصة مع الافتقاد لقانون انتخاب عادل يمثل خير تمثيل القوى الحالية.

 

لا يود الشيوعيون استباق موعد الانتخابات بعد نيف وعام، هم مشغولون في معركتهم التي يتحالفون فيها مع قوى التغيير وهذا دأبهم في المناطق الأخرى. لكن الغريب في الحراك الأخير الذي اتخذ منحاه التصعيدي مع تخطي سعر الدولار العشرة آلاف ليرة أوائل الشهر الحالي ما أدى الى اندلاع إنتفاضة متجددة في الثاني من شهر آذار الحالي، أن مناصرين للسلطة تحركوا في مناطقهم متخذين قطع الطرقات أسلوباً للاحتجاج.

 

وفي استعراض بسيط لمناطق توزع تلك الاحتجاجات يمكن استشفاف ان انصار «أمل» هم من تحرك وهو أمر بات معلوما عند المتابعين. وهم نزلوا الى مفارق حيوية في الجنوب قبل ان يخلوا الساحة بعد الخطاب الاخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي انتقد بشدة قاطعي الطرقات داعيا الى فتحها.

 

من ناحيتها، بدت تحركات الاحد الماضي في صيدا حيث يمثل زعيم «التنظيم الشعبي الناصري» النائب أسامة سعد الثقل الأهم ومعه نزل «الشيوعي» ومجموعات يسارية ومستقلون، والتحركات في النبطية وصور حيث الحضور الاكبر لـ«الشيوعي» لكن يحضر أيضا مستقلون ومجموعات نشأت من رحم 17 تشرين وهي جميعها منتقدة لـ«الثنائي» وخاصة «أمل»، بدت كل تلك التحركات متوائمة في شكل عام وتُقاد عبر عمل مشترك.

 

والواقع أن الحراك عانى في الايام الاولى صعوبات وخاصة في صور حيث تعرض لهجمات من قبل مناصري «أمل» سرعان ما منعتها قيادة الحركة، ليستمر الحراك في وجوده على الارض ولو في شكل نسبي. لكن من الملاحظ ان الركن الاساس في حراك الجنوبيين، اي «الحزب الشيوعي»، يحتفظ لنفسه بحيثيته الخاصة وما يعتبره مرجعية لقوى التغيير التي تعمل ضد السلطة، وذلك كونه يعتبر نفسه الاعرق في مواجهة المنظومة الحاكمة والاكبر بين معارضيها.

 

وفي مسيراته الأخيرة، أراد الحزب التحضير لتظاهرته المركزية الكبرى الاحد المقبل في 28 الشهر الحالي، إضافة الى الاستعداد لعيد العمال في الاول من أيار المقبل، بعد مسيرات المناطق عبر منظمات الحزب. ولذلك رفع شعارات تدعو الى برنامج علاجي حقيقي يستقطب كل من هو مع تلك الشعارات حتى لو كان من احزاب السلطة التي لا يرفضها الحراك اذا التزمت الشعارات.

 

يرفض الحراك و«الشيوعي» اي قطع للطرقات والتعدي على الاملاك العامة والخاصة كونه يعد قطعا على الناس مثلما أنه يُعد في حلقة الاستثمار السياسي. إنها باختصار رغبة بحركة شعبية منظمة حقيقية متواصلة ووازنة تدلي بدلوها في المعادلة العامة، كما يؤكد الحراكيون.

 

ويحلو للناشطين التذكير دوما بشعارهم الذي كان ولا يزال مؤداه «كما قاومنا الاحتلال نقاوم الجوع». والاولوية اليوم هي للتركيز على قضايا الاصلاح ومكافحة الفساد ومحاربة أباطرته والدعوة الى التدقيق الجنائي ولجم الاسعار ومحاربة المنصات المافيوية لسعر الصرف، كما محاربة كل المافيات التجارية والمالية التي يصب الكثير منها في السياسة.

 

وبذلك يُبعد الحراك عن انصاره وفيهم كثير من عديمي الخبرة في اللعبة السياسية، وَهم الإلتهاء بالانتخابات وهو ما يأتي في اطار تصويب الحراك والعمل على التغيير المنشود الذي يُعمل عليه منذ زمن.