مهما تعدّدت القراءات، لمضمون خطاب الرئيس سعد الحريري في البيال لمناسبة الذكرى الحادية عشرة لإستشهاد والده، ومهما تعدّدت القراءات والتفسيرات لمشهدية 14 آذار الجامعة بعد الكلام الكثير الذي قيل قبل حلول المناسبة عن اختلافات وتصدعات وحتى تشرذمات داخل هذه القوى التي اجتمعت حول ثوابت ثورة الأرز التي انطلقت بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري والتي ستستمر ولا سيما من جانب الفريق الآخر المتمثل بقوى الثامن من آذار وقتاً طويلاً بلا توقف، فإن ما جاء في كلمة رئيس التيار الأزرق بهذه المناسبة هو في معظمه تأكيد على ثوابت قوى الرابع عشر من آذار المتعلقة بالسيادة والاستقلال والقرار الحرّ والالتزام بالطائف بكل مفاعيله، وتثبيت هذه الثوابت مهما تبدّلت الظروف والمعطيات والذي هو بمثابة تحصيل حاصل بالنسبة إلى زعيم التيار الأزرق وقاعدته الشعبية الواسعة، بل قطع الطريق على التشكيك الذي كان سائداً قبل الخطاب عن أحوال الرابع عشر من آذار بعد خياره بترشيح أحد صقور 8 آذار لرئاسة الجمهورية وردّ رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بترشيح حليف حزب الله الاستراتيجي والكياني العماد ميشال عون للمركز عينه، وما أثار ذلك من بلبلة داخل مكوّن الرابع عشر من آذار حتى لا نقول من ضياع وتصدّع وغيرها من التعابير التي تطلقها قيادات ومنظّرو 8 آذار على هذه الحالة والتأكيد للقاصي والداني أن 14 آذار باقية بمبادئها وثابتة على نهجها ومسارها وأن ما حصل في بعض المحطات من تباين أو اختلاف في وجهات النظر السياسية جاءت مشهدية مشاركة كل قياداتها في المناسبة عينها ومشهدية الصورة الجامعة لها ردّاً بليغاً على المشككين وعلى الشامتين الذين بالغوا في الشماتة الى حدّ نعي هذا التحالف الاستقلالي وإقامة الاحتفالات بخلو الساحة الداخلية وتفرّدهم الإمساك بالسلطة وبالدولة بشكل كامل. وما هو أبعد من ذلك كلّه أن رئيس التيار الأزرق رسم في كلمته خريطة الحل للأزمة الرئاسية التي يتخبّط بها لبنان منذ الشغور قبل حوالى السنتين بلبننة هذا الاستحقاق ودعوة الفريق الآخر إلى فك ارتباطاته والتزاماته الخارجية واعتماد اللبننة لحل هذه الأزمات التي أدخلوا فيها بلدهم والتي تبدأ باحترام الدستور وترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها كما ينص عليه هذا الدستور وبالتالي فك ارتباطهم بالخارج الذي يستخدم البلد وشعبه ورقة مساومة لتحسين شروطه ومواقعه في الإقليم وفي العالم حتى أضحى اللبنانيون جاليات في بلدهم لا حول لهم ولا دور وقبل هذا وذاك الالتزام بالطائف، والنزول إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية ومن يفوز يصفق له الفريقان المتخاصمان ووضع الفريق الآخر أمام التحدي الكبير، فإما أن يتحمّل مسؤولياته تجاه وطنه ويعتذر للبنانيين والتسليم باللعبة الديمقراطية وإخراج لبنان من هذه الأزمة التي بات استمرارها يُهدّد كل مقومات الدولة حتى الكيان ذاته أو أن يستمر في السياسة التي تقود هذا البلد إلى الهلاك.