IMLebanon

المجتمع والمدرسة… عودة إلى الطائفة!

تطرح قضية التعليم، في هذه المرحلة من تاريخ لبنان، مشكلة المواطنة وأزمة الهوية. وعلى ما نعرف أن المدرسة هي المدخل الأول لتكوين المواطنة، بدرس التاريخ ومنهج وكتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية، أو ما اعتبر في إعداد المناهج في التسعينات من القرن الماضي أن المادتين ومعهما مواد مكملة يمكن ان تعيد بناء التلميذ المواطن ليكون وفياً لوطنه أولاً وملتزماً القوانين وأميناً لتاريخ البلد الذي يحتضنه. لكن التجربة لم تثبت أن المدرسة ومناهجها الجديدة، خصوصاً في مادتي التربية والتاريخ، علماً ان الأولى منهاجها موحد، فيما الثانية تستجر الخلاف بين اللبنانيين، تحصنان مواطنة التلامذة، فبدا الإنقسام هو السائد، مستمداً الإنقسام العام بين اللبنانيين لمصلحة الطائفة التي بدا انها المحدد الأساسي للمواقف لدى التلامذة في السياسة وفي قضايا مصيرية أخرى.

يدرس التلميذ في مدرسة المنطقة التي يعيش فيها، فيتخرج حاملاً هوية موروثة في اتجاه سياسي معين. هذا ما تثبته الوقائع في الحالة اللبنانية منذ ثمانينات القرن الماضي، فكيف بالوضع الراهن الذي يستحضر أزمات المنطقة ومئات الألوف من التلامذة اللاجئين؟ فهل يستطيع التلميذ في ظل الوقائع السياسية الراهنة والطائفية ايضاً أن يتجاوز النزاعات القائمة ويتمرد على ثوابتها وتقاليدها؟. فإذا كانت المدرسة تكتسب اهمية في التنشئة السياسية والاجتماعية، الا انها اليوم وفي ضوء الصراع والنزاع بين المكونات اللبنانية، توافق المجتمع وتسير معه بانقساماته ومواقفه السياسية، ويلتزم التلميذ التوجهات وفق ما تحدده الطائفة وتكرسه من ثوابت لا أحد يحيد عنها.

يكفي أن تكون النزاعات مستمرة لتصبح الطائفة ومعها المجتمع السياسي أقوى من المدرسة. هذا يثبت ان الاستقرار السياسي والاجتماعي، يعطي دوراً أكبر للمدرسة والمؤسسات، لأن المجتمع السياسي والطائفي لا يكون في حالة استنفار وتعبئة ومنقسماً أيضاً. لذا، اذا كان الحديث عن تطوير المدرسة، كما نقراً اليوم لدى عدد من المسؤولين، ينطلق من محاولة إحداث خرق إيجابي في ظل النزاعات والإنقسامات، فإنه لن يحدث تغييراً كبيراً. أما إذا كان الهدف التوصل الى إنجاز مشاريع تعزز التربية في البلد، ذلك يكون ممكناً بغلبة فريق على آخر، أو التسوية التي لا تقدم الا عناوين سطحية.

يكفي أن نشهد مثلاً ما حل بمطالب المعلمين في سلسلة الرواتب في ضوء النزاعات المستمرة. كل مجتمع سياسي وطائفي يتحدث بلغته تجاهها، من دون ان تعبر الى خاتمة، إيجابية الا بتسوية تأخذ في الاعتبار مصالح المجتمعات المتناقضة. وكيف نفسر تصنيف التلامذة الذين ينتقلون الى الجامعات، وفق توجهاتهم السياسية، للمنطقة التي يأتون منها. وهذا الأمر يطرح إعادة نظر في السياسات التربوية وطريقة مقاربة المواضيع قبل أن تصبح الطائفة في التربية أهم بكثير من الدولة!