مقارنة لنموذجين مختلفين عن الإسلام التركي المتحرّر والإيراني المنغمس بالتدخّلات والحروب المذهبية
الأول قدّم صورة مشرقة يُحتذى بها والثاني استنزف قدرات بلاده وعزلها عن المحيط والعالم
يُلاحظ بوضوح أن هناك فارقاً كبيراً بين ما قدّمته تركيا من إنجازات فكانت كنموذج للإسلام المتحرّر المعتدل وبين سياسة إيران في التفرقة والتقسيم وإشعال نار المذهبية والحروب الأهلية في الدول العربية
في مقارنة موضوعية لما حققه حزب «العدالة والتنمية» من إنجازات للنهوض بتركيا منذ توليه مسؤولية السلطة بانتخابات شرعية قبل عقد ونصف من الزمن وتقديم نفسه للأتراك والعالم بنموذج الإسلام المتحرّر، وما حققه نموذج إسلام «الملالي» في إيران منذ ثورة الإمام آية الله الخميني قبل ما يقارب الأربعة عقود، يلاحظ بوضوح أن هناك فارقاً كبيراً إستناداً إلى مستويات النهوض الاقتصادي والانمائي المسجّلة في بيانات كلا البلدين وخصوصاً في السنوات الماضية وعلاقاتهما مع دول الجوار والعالم.
فنموذج حزب «العدالة والتنمية» التركي الذي أرسى استقراراً سياسياً في تركيا لم تنعم به طوال مرحلة حكم عسكر الانقلابات ودعاة العلمانية الذين تولّوا السلطة من قبل، قدّم صورة حضارة منفتحة ومتطوّرة عن الإسلام المعتدل الذي يناهض كل أشكال العنف والإرهاب لبلوغ أهدافه، واستطاع استغلال موقع بلاده وقدراتها البشرية وتطوير قطاعاتها السياحية والتجارية والصناعية بشكل لافت، نقل خلالها تركيا من مرحلة التردّي الاقتصادي والنقدي إلى مرحلة متقدّمة ووضعها في مصاف الدول البارزة إقليمياً ودولياً، بالرغم من ندرة الموارد الطبيعية فيها كالبترول والغاز التي تمتلكها دول مجاورة وإشغاله بالحرب ضد الأكراد في شماله واستنزاف جزء من قدراته وإمكاناته فيها.
وإذا كان يؤخذ على حزب «العدالة والتنمية» وخصوصاً بعض سياسات رئيس الجمهورية التركي الحالي بأنها تتعارض مع النظام الديمقراطي، إلّا أن جميع الدول القريبة والبعيدة تعترف بإنجازات الحزب وسياساته في تحقيق قفزة نوعية باتت مثالاً يُحتذى به في العديد من الدول الغربية لا سيما بعد النجاح الذي حققته الحكومات المتعاقبة طوال المرحلة الماضية في اعتماد سياسة التمدّد الاقتصادي والثقافي والديني في دول الجوار وتحديداً في الدول التي كانت منضوية تحت راية الاتحاد السوفياتي السابق، والتسويق من خلالها لنموذج الحزب وأساليبه في ممارسة السلطة.
وارتكزت سياسة حزب «العدالة والتنمية» منذ البداية على الابتعاد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة قدر المستطاع، وصولاً إلى تبنّي شعار «تصغير المشاكل» كما أعلنها وزير الخارجية الأسبق أحمد داوود أوغلو إلى أن فرضت الأزمة السورية وتداعياتها بعد الحرب التي شنّها بشار الأسد ضد شعبه المنتفض ضده على الدولة التركية كلها جرّاء تدفّق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى أراضيها وما استوجبته من تعاطف ودعم تركي ملحوظ للشعب السوري في ثورته، أدّى إلى تبنّي الدولة التركية الدعوات لإسقاط نظام الرئيس السوري الديكتاتورية والدموية ضد شعبه.
وفي المقابل، قدّم إسلام «الملالي» في إيران نموذجاً مختلفاً تماماً، إعتمد على شعار تصدير «الثورة الإسلامية» الذي أطلقه آية الله الخميني، المرتكز على سياسة بثّ التفرقة والتقسيم وإشعار نار الصراعات المذهبية والحروب الأهلية في الدول العربية على اختلافها تكريساً لطموحات السيطرة والهيمنة الإيرانية التي كانت تراود من قبل شاه إيران السابق محمّد رضا بهلوي، وقد استنزفت هذه السياسة والممارسات والارتكابات الإرهابية التي انتهجتها طهران مباشرة أو بواسطة أذرعها الحزبية الموزعة في العديد من الدول حيّزاً كبيراً من مقدّرات وثروات البلاد الغنية بالنفط والغاز وغيرها خلافاً لتركيا وساهمت مساهمة كبيرة في عزل الدولة الإيرانية عن محيطها والعالم وإبقاء الشعب الإيراني متأخراً عن ركب التطوّر الاقتصادي والانمائي قياساً على الدول المجاورة والعالم استناداً إلى ما يملكه من إمكانات، بل الأهم من ذلك، قدّمت إيران نموذجاً متطرّفاً عن الإسلام للعالم لن تستطيع تغييره ما دامت منغمسة في سياسة التدخّل وإشعال الحرب والنزاعات للدول الأخرى وخصوصاً العربية منها ولم تستطع بالرغم من كل إدّعاءاتها وتلفيقاتها في تقديم نموذج واحد ناجح لتدخلاتها، بل على عكس ذلك تماماً، أدّت هذه السياسات إلى تفتيت الدول المجاورة كالعراق وسوريا على وجه الخصوص.
إستناداً إلى هذه المقارنة الملموسة، ليس مستغرباً أن يكون نموذج الإسلام التركي المتحرّر مستهدفاً من قبل بعض الدول التي لا ترغب في خروج تركيا أو غيرها عن هيمنتها وتبعيتها المطلقة أو لدورها المؤثر في نزاعات المنطقة الملتهبة كالحرب في سوريا مثلاً، وكذلك من إيران التي لم تستطع منافسة النموذج التركي. ومن هنا تدرج التعاطي مع حركة الانقلاب الفاشل في تركيا من الموقف الرمادي بداية، أميركياً لأن الإدارة الأميركية تريد تصفية حساباتها مع الرئيس التركي التي انتقدها بعنف لدعمها الأكراد الانفصاليين ولأنها تعتبر نجاح نموذج الإسلام التركي يقلّص كثيراً من هيمنتها على المنطقة، وبعد جلاء المواقف صدرت مواقف دعم النظام التركي.
ويبقى الأهم أن الشعب التركي بأكثريته الساحقة انتفض ضد حركة الانقلاب حفاظاً على مصالحه وتقدّمه وتطوّره في عهد حزب «العدالة والتنمية» قياساً على ما عاناه أيام سيطرة العسكرتارية التركية السابقة ولذلك فشل الانقلاب وارتدّ على أصحابه وداعميه المرئيين والمستورين على حدٍّ سواء.