لا تخلو من واقعية دسمة «الرؤية السياسية» التي قدمتها المعارضة السورية في مؤتمر لندن بالأمس، خصوصاً لجهة القبول ببقاء مرحلي للرئيس السابق بشار الأسد في مكانه، قبل الشروع في الفصل الانتقالي الممهد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية..
الموقف المذكور على واقعيته الملموسة يدلّ على مدى تأثير القوى الداعمة للمعارضة على قرارها، في مقابل خضوع الأسد لإملاءات الإيرانيين والروس تماماً، وضمور قدرته على اتخاذ أي قرار ميداني أو سياسي خارج إرادة هؤلاء.. حتى وإن تنافر هؤلاء إزاء «قضايا مشتركة» كثيرة!
والواقع هو أن دعم الخارج للمعارضة كان منذ الأيام الأولى ولا يزال، في سياقات دفاعية ضميرية وإنسانية، في حين أن دعم الإيرانيين ثم الروس للأسد كان ولا يزال في سياقات إجرامية واسعة النطاق، وانطلاقاً من رؤى ومصالح سياسية (ودينية مذهبية) فاقدة للأبعاد الأخلاقية والإنسانية، قبل أي شيء آخر!
.. في عوالم الطواغيت مفارقات ولا أوقح: دائماً يُعطى الاستبداد أوصافاً تمويهية مرموقة مثل التحرر! ويُعطى انتهاك حرمة الإنسان وكرامته وحريته وحقوقه البديهية الأولى والدائمة، أوصافاً تمويهية لا تنزل عن سقف المدينة الفاضلة ولا جمهورية أفلاطون، ولا تغادر حديقة اللغو عن «حق الشعوب في تقرير مصائرها»! ويُعطى التحكّم بالسلطة واختصارها بحالة ديكتاتورية فردية، أوصافاً كاريكاتيرية عدة تبدأ من «مجلس الشعب» و»الحكومة» و»الهيئات النقابية» ولا تنتهي عند «حماة الديار»! ثم يُعطى النهب المافيوزي للثروات الوطنية عناوين جليلة تجعل من السارق فاعل خير!
يلفت الدعم الإيراني للأسد أكثر من الدعم الروسي له.. في حالة فلاديمير بوتين هناك وضوح يقارب الوقاحة! وقلة اكتراث بالقيم النبيلة في هذه الدنيا وصولاً إلى تغييب أي ادعاءات تطرب العالم الحرّ! بل لم يجد صاحب الكرملين أي دافع لتحركه الداعم للأسد غير «محاربة الإرهاب»!.. حتى مفردة عدم جواز التدخل الخارجي لإحداث تغيير في رأس السلطة، بالكاد أن تُسمع في أي نقاش أو اشتباك ديبلوماسي بين الروس وغيرهم!
في الحالة الإيرانية (الداعمة للأسد!) تحضر خلفيات تشيّب شعر الرأس! ومنطلقات لا تقبل الاصطفاف جنباً إلى جنب مع أي أطر وضعية مدنية حديثة! ولا ينزل القياس تحت سقف «الإرادة الإلهية». ولا يقل الشعار عن «دعم الحق في وجه الباطل» و»نصرة المستضعفين وقتال المستكبرين»! ولا يقبل واضع النصّ شيئاً أقل من «انتصار الدم على السيف»! ولا وضع القياس خارج حدود «الحلال والحرام» والشرع والشريعة والقداسة وأترابها.
في ظل هذه الموازين الاستثنائية، يصير الحديث عن «حل سياسي» وكيفيته ومدته، شبيه بالتخريف التام.. و»واقعية» المعارضة شيء من ذلك التخريف، ليس إلاّ!