بعد بضعة أيام، يودع اللبنانيون عاماً كاملاً، وأكثر من سبعة أشهر وهم بلا رئيس يحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها فيما قياداتهم التي أولوها إدارة شؤونهم وشؤون الجمهورية غارقون إلى ما فوق آذانهم بخلافاتهم وبالتسابق على ضمان مصالحهم السياسية والمالية، غير عابئين بالمصلحة الوطنية، ولا بمصلحة الدولة ومواطنيها حتى بات لبنان في آخر درجات التخلف بين الدول، وصارت الدولة اللبنانية في نظر الأمم المتحدة دولة شبه فاشلة حتى لا نقول فاشلة تماماً، وبات يتطلب التعامل معها على هذا الأساس، حتى أن العديد من دراسات مراكز الأبحاث الدولية التي تناولت تراجع الديمقراطية في هذا البلد توصلت إلى نتائج مخيفة ليس على صعيد ترتيبه كدولة ديمقراطية في العالم بل وأيضاً على صعيد ترتيبه بالنسبة إلى الدول العربية وما يسمى بدول العالم الثالث.
هذا الوضع المتردي الذي وصل إليه لبنان كدولة مرشّح لأن يزداد تردياً في العام الجديد، ليس فقط على الصعيد السياسي وإنما على كل الصعد الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنمو العام، وخصوصاً أن كل الدراسات التي وضعت تؤشر إلى هذا الأمر وتبدي الكثير من القلق على مصير هذا البلد، إذا لم تتدارك الطبقة السياسية الأمر، وتبادر بسرعة إلى إجراء عملية جراحية إنقاذية في الأشهر الأولى من العام 2016، تبدأ بإملاء الشغور في رئاسة الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور واتفاقية الطائف، والتلاقي على ضرورة إعادة انتظام المؤسسات الاجرائية والتشريعية والقضائية كي تستعيد الحياة دورتها وتتحرك عجلتها بشكل طبيعي وبعيداً عن سياسة المناكفات والتجاذبات والمحاصصات القائمة حالياً على يد الطبقة السياسية أو ما يسمى أرباب السلطة.
غير أن هذا التمني لن يجد له طريقاً إلى أن يتحول إلى حقيقة لأنه ما زال يصطدم بذات العقلية التي حكمت هذا البلد والتي تقوم على المصالح الشخصية، بكل أبعادها كالزبائنية والتبعية وتجميع الثروات، وتسخير كل مقدرات الدولة في خدمتها، بدلاً من تسخيرها في خدمة الصالح العام، وما إستمرار التجاذب بينهم حول الاستحقاق الرئاسي وملء الشغور في رئاسة الجمهورية الذي هو أولاً وآخراً واجب وطني وليس طرفاً سياسياً ولا سباق مصالح ومنافع ونفوذ، وانسداد الأفق أمام هذا الاستحقاق، سوى الدليل الساطع ليس على فشل الطبقة السياسية وعجزها بل على مدى استهتارها بالشعب، وحتى بالدولة نفسها التي جعلوا منها أداة للتحكم والاستغلال وللسيطرة والنفوذ في كل الأحوال، ولو كان الأمر عكس ذلك، لكانوا قادرين على الاتفاق على رئيس توافقي لا يُشكّل تحدياً لأحد، ولا انتصاراً لفريق على آخر، وذلك استناداً إلى القاعدة اللبنانية التي ابتدعت فكرة التوافق أي ان لبنان التعددي الطوائفي لا يقوم ولا يستقر الا على التوافق.
وإذا كان مشروع التسوية الذي طرحه مؤخراً أحد المكونات السياسية لا يحقق هذا التوافق فليبحثوا عن تسوية جديدة تكون مقبولة من الجميع، بحيث لا يشعر أي مكون أو فريق انه مهزوم.