تتميّز بلدة جب جنين في البقاع الغربي بتنوّعها الديني وتعدّدها الحزبي، إلّا أنّ جذور اصطفافاتها الانتخابية تمتدّ في التربة العائلية، وإن تمّ تبريرها أو شحنها بعناوين وشعارات الإنماء وحماية المصلحة العامة وخدمة الناس.
تشير التوقعات إلى أنّ بلدة جب جنين ستكون في 8 أيار المقبل على موعد مع منازلة انتخابية بين لائحتين، الأولى برئاسة مروان شرانق مدعومة من عائلة شرانق وآل الحاج أحمد والعائلات المتحالفة معهما، والثانية برئاسة المحامي عيسى الدسوقي ومدعومة من عائلة الدسوقي وحلفائهم من العائلات الأخرى.
محاولات التوافق بين الفريقين كانت شحيحة، وقد تحدثا لـ«الجمهورية» عن محاولة واحدة يتيمة، قام بها وفق المرشح الدسوقي، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، وكانت عبارة عن مباحثات في عروض معيّنة، ما زال الفريقان يتقاذفان مسؤولية تعطيلها وإلقاء اللوم على الفريق الآخر.
يعيد الدسوقي أسباب فشل التوافق إلى عاملين: «الأول التمسك بالأنا وعدم الرضا والموافقة على مشاركة الآخر. والثاني هو افتقاد أحد الأفرقاء لجرأة اتخاذ القرار»، معرباً عن شكوكه في «وجود وصاية في مكان ما على الفريق الآخر، لها مصلحة في فرض هذا الواقع على جب جنين».
من جهته، ينفي الحليف الرئيس للائحة آل شرانق رئيس البلدية الحالي والمرشح للرئاسة خالد الحاج أحمد، «إتهام لائحته بإقصاء أيّ عائلة عن المشاركة في إدارة البلدية»، مؤكّداً «انسجام مبدأ الشراكة مع التوازنات العائلية في البلدة والكفاءة في خدمة وصون المصلحة العامة».
ويرى الحاج أحمد أنّ الخلافات الحالية حول البلدية، ما زالت تتغذى من نزاعات قديمة، ويقول لـ»الجمهورية» إنّ «الانقسام العائلي في جب جنين حول مَن يتولّى إدارة البلدة، هو انقسام مزمن، فقد بدأ التنافس بين عائلتي شرانق والدسوقي على البلدية منذ خمسينيات القرن الماضي، ويتجدّد مع كلّ الدورات الانتخابية، وكانت الغلبة دائماً من نصيب آل شرانق وحلفائهم، وقد تناوب على رئاسة البلدية منذ ذلك الوقت 4 رؤساء، بينهم اثنان من آل شرانق والآخران من آل الحاج أحمد».
هذه الفترة المديدة من التنافس بين عائلتي شرانق والدسوقي على البلدية، أدّت إلى استنزافهما في إدارة لعبة التحالفات، ما فرض على العائلتين، تطوير تكتيكاتهما الانتخابية لتحسين تحالفاتهما مع العائلات الأخرى، وهذا ما دفع بكلّ من المرشحين لرئاسة البلدية مروان شرانق وعيسى الدسوقي إلى اعتماد المداورة في الرئاسة مع حليفه.
ففي حال فوز شرانق ستكون السنوات الثلاث الأولى من نصيب حليفه خالد الحاج أحمد والمدة المتبقية (أي 3 سنوات) من نصيبه، وكذلك سيتقاسم المحامي الدسوقي في حال فوزه الولاية الرئاسية مع حليفه عماد الصغير، إضافة إلى اعتماده المبدأ نفسه (أي المداورة) في نيابة الرئاسة.
كذلك فرضت لعبة التحالفات على اللائحتين، تسابقاً بينهما على الكتلة المسيحية الناخبة (نحو 650 ناخباً)، نظراً لأهمية دورهم في البلدة، وما يتمتعون به من ثقل اقتصادي وازن، فهناك 80 في المئة من أراضي جب جنين مملوكة لعائلات مسيحية وفق الحاج أحمد.
تاريخياً، كان المسيحيون أقرب إلى آل شرانق بفعل الوشائج والعلاقات التاريخية التي كانت تربط هذه العائلة مع آل الفرزلي. وفي هذا السياق، يقول الحاج أحمد «إنّ العلاقة بين آل شرانق والمسيحيين، تعود إلى زمن ملحم الفرزلي الجد، أي إلى خمسينيات القرن الماضي، وإنّ 70 في المئة من المسيحيين يقفون إلى جانب لائحة شرانق التي تضم 5 مرشحين مسيحيين لمجلس بلدي يتكوّن من 15 عضواً».
من جهته، يؤكد المرشح على لائحة شرانق جورج صعب أنّ «للمسيحيين الثلث من عضوية المجلس البلدي، وهذا عرف استقرت عليه البلدة، وتم احترامه على مدى الدورات الانتخابية السابقة».
تحاول لائحة الدسوقي اختراق هذه «القرابة السياسية» بين آل شرانق والمسيحيين، عبر تعديل الحصة المسيحية في المجلس البلدي، وإسناد نيابة الرئاسة لمسيحيّ وفقاً لصيغة المداورة.
من جهته، يؤكد المرشح الدسوقي أنّ «المسيحيين جزء أساس من نسيج جب جنين، والعيش الإسلامي المسيحي في بلدتنا تميّز بالطابع الأخوي والتسامح، ووجودهم في لائحتنا هو انطلاقاً من مبدأ حق المشاركة وحق التمثيل، الذي يشمل كلّ شخص في جب جنين».
الخيارة
في قضاء البقاع الغربي أيضاً، نامت بلدة الخيارة (نحو 1000 ناخب) على توافق، وإذ بها تستيقظ على استعدادات لمعركة انتخابية واتهامات متبادلة بالانقلاب على التوافق الذي رعاه الوزير السابق عبد الرحيم مراد، وكان يقضي باقتسام الولاية الرئاسية للبلدية مناصفة، عبر المداورة لمدة 3 سنوات بين محمد علي المظلوم (ابن شقيق رئيس البلدية) ومحمد الكردي.
وتضاربت الروايات في تحديد المسؤول عن تعطيل التوافق، لكنّ الخلاف انحصر بمَن يبدأ الولاية الرئاسية (الـ3 سنوات الأولى) إضافة الى خلاف آخر على عضوية أحد الأشخاص.
وفي هذه الأثناء، أعلن المرشح لرئاسة البلدية محمد علي المظلوم، وهو مغترب ورجل أعمال، أنه لن يغلق بابه أمام أيّ مسعى توافقي جديد، خصوصاً أنّه ما زالت هناك مسافة زمنية عن موعد 8 أيار، متهماً الطرف الآخر بالتنصّل من إلتزاماته. لكنّ منافسه على الرئاسة المرشح محمد الكردي ينفي هذه الاتهامات، مؤكّداً أنّ المظلوم انسحب من التوافق من دون أن يفصح عن الأسباب.
اكتمل في الخيارة تأليف لائحتين، برئاسة كلٍّ من المظلوم والكردي، وتضمّ كلّ واحدة منهما 9 مرشحين، حاول الطرفان تنويعها عائلياً، ليبقى الحسم لصناديق الاقتراع في 8 أيار.